سليمان جودة
الخلاف الذى نشب بين الدكتور أسامة الغزالى حرب، رئيس مجلس أمناء حزب المصريين الأحرار، وبين الدكتور يونس مخيون، رئيس حزب النور، أثناء اجتماع رئيس الجمهورية مع عدد من رؤساء الأحزاب، جرى تناوله فى الإعلام وكأنه خلاف شخصى بين الرجلين، أو كأنه خلاف بينهما على إرث قديم، فى حين أنه خلاف حول قضية أساسية وفاصلة فى حياتنا السياسية، لا يريد أحد أن يحسمها إلى الآن!
آسف!.. فالكلام عن أن أحداً لا يريد أن يحسمها كلام غير دقيق، لأن الدقيق منه هو أن الدولة ذاتها لاتزال تسكت عن الموضوع الذى نشب الخلاف حوله، رغم أنه، من حيث حيويته، يقع فى عمق حياتنا بشكل عام، ثم يقع فى عمق اختصاصها كدولة!
الدولة تسكت عنه، على مدى عام كامل، ولا تريد، لأسباب هى تعلمها، معالجة الموضوع من جذوره!
ففى يناير الماضى، تم إقرار الدستور الحالى، وهو دستور يحظر فى إحدى مواده قيام أى حزب على أساس دينى، ومنذ إقراره، كدستور حاكم للجميع، حاكماً ومحكومين، لم نسمع أن حزباً قد تم استبعاده من قوائم الأحزاب الموجودة لأنه، من حيث أساس نشأته، ومن حيث جوهر فكرته، يتناقض مع مادة الدستور إياها.. لم نسمع!
وقد كان المتصور، ولايزال، أن تبادر الدولة نفسها إلى إزالة هذا الغموض الذى يحيط بموقف «النور» تحديداً، كحزب لا يضم فى عضويته - كما هو ظاهر - غير السلفيين، ثم إنه غموض يحيط أيضاً بموقف أحزاب أخرى عديدة، وإن بقى «النور» هو أهمها وأشهرها لدى قطاعات لا بأس بها فى الرأى العام.
تسكت الدولة عن الموضوع ولا تثيره، وإذا أثير فإنها لا تشارك فيما يقال، وكأنه لا يعنيها، أو كأن المطلوب منا أن نلتمس سلطة أخرى، فى بلد آخر، يقول لنا بصراحة، ودون لف أو دوران، ما إذا كان «النور» حزباً دينياً فيجب حله، أو ما إذا كان حزباً لا تنطبق عليه مادة الدستور الصريحة فيبقى، وأهلاً وسهلاً به - حينئذ - فى حياتنا العامة.
وأرجو ألا يتصور الدكتور مخيون ورفاقه فى الحزب، أن هذه المطالبات شديدة الإلحاح تأتى على أساس موقف مسبق ضدهم.. لا.. فكل القصد أن يكون الدستور القائم مطبقاً بكل مواده بيننا، وأن يكون «النور»، الذى شارك بممثلين عنه فى لجنة الدستور، متقبلاً الفكرة، غير متأفف منها.. فكرة أن الدستور لم نضعه، منذ عام كامل، لنحفظه فى الأدراج، ولا لنتكلم عنه، وعن جماله، وعن روعة مواده، وفقط، وإنما ليكون له أثر فى حياة الناس، وإلا فما جدواه؟!
المسألة ليست «خناقة» بين الغزالى وبين مخيون، حول أمر شخصى، ولن تكون، وإنما هى من جانب الدكتور أسامة - على الأقل - تمثل رغبة عنده، وعند كثيرين غيره بالضرورة، فى أن نكون أمناء مع أنفسنا، ونحن نتحدث عن دستور 2014، وألا نخدع أنفسنا بأكثر من هذا، فلقد أدى خداع النفس، من جانبنا، على مستويات كثيرة، إلى ثورتين اثنتين، ولابد أن الذى لم يتعلم منهما ويأخذ منهما الدرس جيداً لن يتعلم من غيرهما أبداً، ولو قامت عشر ثورات من بعدهما فى البلد!