سليمان جودة
أشعر فى ذكرى نصر أكتوبر من هذا العام بأن الاحتفاء بدور الرئيس السادات باعتباره بطل النصر، ليس كما كان فى كل الأعوام السابقة، وبامتداد 41 عاماً هى عمر نصرنا الوحيد على إسرائيل، منذ تحقق، وأشعر شعوراً قوياً بأن هناك مَنْ راح يُخلى بعض أجزاء الصورة، ليتربع فيها غير السادات.
وأرجو مَنْ سوف لا يصدق ما أقوله أن يراجع بدقة الكلمات التى قيلت من جانب مسؤولينا الكبار خلال يومين أو ثلاثة مضت، وكذلك الصورة المنشورة والمُذاعة فى الإعلام المكتوب والمرئى معاً، وسوف يتضح له عندها معنى ما أقول، وأرجو أن أكون على خطأ.. أرجو صادقاً!
وحتى أكون أكثر وضوحاً، أقول إنه فى ذكرى ثورة يوليو 1952 من كل سنة، يجرى الاحتفال بذكرى جمال عبدالناصر، بوصفه قائد الثورة وزعيمها، وهى مسألة لا أظن أن أحداً يمكن أن يجادل فيها، فقد كان الرجل هو عقل «يوليو»، وهو صاحبها، كما أنه هو الذى قدمها للمصريين بمبادئها الستة الشهيرة، من خلال كتابه المعروف «فلسفة الثورة»، ثم من خلال سياساته فيما بعد.
وفى ذكرى «يوليو» من كل عام، يظل الاحتفاء بعبدالناصر وحده، ولا تأتى فى العادة أى سيرة لآخرين ممَنْ شاركوه الثورة، خصوصاً أعضاء مجلس قيادتها الإثنى عشر.
وفى المقابل، كان 6 أكتوبر هو عيد السادات المتجدد سنوياً، وكان هو، وسوف يظل صاحبه الأوحد، ولم يكن أحد يستطيع أن يناقش فى هذه الحقيقة.. وإلا.. فمَنْ بالضبط الذى اتخذ قرار الحرب؟! ومَنْ بالضبط الذى فاجأ به العالم؟!.. ومَنْ بالضبط الذى قرر أن يتحمل مسؤوليته؟! ومَنْ بالضبط الذى قاد العبور من غرب القناة إلى شرقها؟!.. ومَنْ؟! ومَنْ؟!.. إنه رجل اسمه أنور السادات، ولا أحد غيره!
صحيح أن البطولة هنا تنعقد بطبيعتها لكل الذين شاركوه الحرب وأجواءها، من أول وزير الدفاع يومها، مروراً بكل ضابط، وصولاً إلى كل عسكرى.. وصحيح أنهم كلهم فى البطولة معه سواء، إلا أن هناك فى النهاية رجلاً يظل هو صاحب القرار، وهو متحمل مسؤوليته بكاملها، وبكل ما لكلمة «المسؤولية» من معنى، فهذا ما أقصده بالضبط، وهذا ما أعنيه تحديداً.
وبمثل ما إن بطولة «يوليو» كثورة، تنعقد لعبدالناصر، دون سواه، فإن بطولة «أكتوبر» تنعقد بالضرورة للسادات، دون سواه أيضاً، وليس معنى انعقاد بطولة يوليو لعبدالناصر أنه لم يكن معه آخرون فيها، وكذلك الحال مع أكتوبر، لقد كان هناك آخرون أبطال قطعاً إلى جوار الرجلين، كلٌ فى ميدان معركته، ولكن كل واحد منهما كان هو البطل المتقدم، فى ميدانه الذى ارتبط به، وسوف يظل.
هناك، هذا العام، مَنْ راح يحاول إزاحة اسم السادات وصورته قليلاً ليضع إلى جواره اسم وصورة عبدالناصر، وهو ما أعتقد أنه يحدث للمرة الأولى، ولابد أن يلفت انتباهنا جميعاً، وقبل أن يصيح بعضنا ويقول بأن عبدالناصر كان له دور كبير فى التمهيد لأكتوبر من خلال حرب الاستنزاف على مدى ثلاث سنوات، فإننى أقر بذلك بالطبع وأعترف، ولا أجرد الرجل أبداً من دوره العظيم فى أيام الاستنزاف، غير أنى فى اللحظة ذاتها أنبه بكل قوة إلى أن «أكتوبر» لها بطل عظيم واحد، بل وحيد، من الناحية السياسية على الأقل، وهذا البطل اسمه أنور السادات، ولا أحد غيره!
ولذلك، أستغرب جداً، وتصيبنى الدهشة إلى أقصى حدودها، عندما أتخيل أن يكون هذا كله قد فات على الرئيس السيسى، وهو الرجل العسكرى فى مقامه الأول!