توقيت القاهرة المحلي 05:30:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

صور المنظار «ويب» ورسائلها إلى إنسان اليوم

  مصر اليوم -

صور المنظار «ويب» ورسائلها إلى إنسان اليوم

بقلم - حسام عيتاني

بعد الذهول الذي يولده جمال صور منظار جيمس ويب الفضائي، يأتي الخشوع. تُذكّر الصور التي نشرتها وكالة الفضاء الأميركية الإنسان بتواضع قدراته وعلمه، وحدود ما بلغته البشرية في رحلتها لاستكشاف الكون وسبر أسراره.
ليست هذه المرة الأولى التي تُدهش صور فضائية سكان كوكب الأرض. بل يمكن القول إن هؤلاء لم تخفت دهشتهم منذ أن نظروا للمرة الأولى إلى السماء في ليلة صافية. صورة «النقطة الزرقاء الشاحبة»، التي أقنع العالم كارل ساغان المشرفين على برنامج مسبار «فويجير» بالتقاطها للأرض من بين حلقات كوكب زُحل عند وصول المركبة الفضائية إلى مداره في 1990. أثارت ضجة كبيرة لإظهارها ضآلة كوكبنا وصغره، مقارنة باتساع الفضاء، وهذا ما رمى ساغان إليه للتأكيد على هشاشة الأرض وقابليتها للفناء إذا لم يهتم البشر بها على النحو الذي تستحق.
صورة «أعمدة التكوين»، التي بدت فيها أعمدة هائلة من الغازات والغبار على مسافة تزيد عن الستة آلاف سنة ضوئية من الأرض، أثناء ما قيل إنه انطلاق تكوين مجموعة نجمية جديدة، أدهشت العالم أيضاً في 1995 بعدما أرسلها المنظار الفضائي «هابل» إلى الأرض. وشكلت الصورة أول نظرة يلقيها البشر على عملية تكوين، رغم أنها حصلت في أزمنة سحيقة في القدم ولم تصل صورتها إلا في تسعينات القرن الماضي.
لقطات كثيرة مختلفة أرسلت من الفضاء أثارت نقاشات وتساؤلات عديدة. صور من المحطة الفضائية السوفياتية «مير» ثم من وريثتها الدولية العاملة حالياً، أوضحت للبشر ترابط الحياة في كوكبهم الصغير وحجم المخاطر التي تهدده بفعل نشاطهم المدمر. كذلك الأمر مع صورة الأرض التي التقطها رواد مركبة «أبولو» على سطح القمر. دائرة زرقاء كبيرة تتخللها اليابسة وتحوم فوقها غيوم بيضاء.
كل من هذه الصور عكس مرحلة معينة في السياسة العالمية. «النقطة الزرقاء» جاءت في الوقت الذي بدأ الوعي البيئي يترسخ ويُنتج قواه وأحزابه و«خطابه» القائم على أهمية الحفاظ على الحياة وعبثية الحروب على هذه النقطة الشاحبة التي يتعين أن يتقاسم الناس خيراتها. «أعمدة التكوين» لفتت انتباه العامة قبل العلماء والمتخصصين إلى أن الكون ما زال يتشكل ويعمل في استقلال عما يفعل البشر. وأن القوى المسيرة للكون ربما لا تقاس من «القوى الكبرى» و«الدول العظمى» و«الأقطاب الدولية». صور «أبولو» و«مير» والمحطة الدولية بينت هزال مقولات الحدود الوطنية والتقوقع داخل المعازل فيما تعلو وحدة العالم، بمصيره ومستقبله وفنائه، فوق كل الحدود والحواجز التي يضعها الإنسان في وجه أخيه الإنسان.
بهذا المعنى، لا تصدر أهمية الصور الآتية من الفضاء من تأكيدها ما أدركه علماء الفيزياء النظرية فحسب. أي أن الأهمية هذه لا تأتي فقط من التقاط صور «لعمق الكون» ولحظات التكوين الجارية والتي جرت قديماً فقط. ولا هي مجرد تذكير أن قوانين الفيزياء مثلما نعرفها، سواء التقليدية أو النسبية أو الكمومية (فيزياء الكوانت) قد لا تصلح كلها لتفسير ما يدور في هذا الكون أن قوانين أصعب وأكثر تعقيداً وأشمل تنتظر من يكتشفها، خصوصاً أن كل خطوة صغيرة في البحث العلمي تطرح أسئلة أكثر مما تحمل إجابات. بل إن جانباً من أهمية صور منظار جيمس ويب، وما جاء قبلها وما سيأتي بعدها يكمن في حمله الإنسان على تحسين فهمه لواقعه وللتحديات التي تواجهه.
قد تغذي الاكتشافات الجديدة لاتساع الكون والأهوال التي قد تنطوي عليها مجراته البعيدة وأنواع الأشعة القاتلة التي تجعل السفر إلى خارج النظام الشمسي الذي تنتمي الأرض إليه متعذراً، إضافة إلى المسافات الفاصلة بين الكواكب واستحالة عبورها بواسطة التكنولوجيا التي في متناول البشر الحاليين، اتجاهاً عدمياً يبرر الرضوخ «للواقع» ولأسوأ نسخه واستسلاماً قدرياً لحدود القدرة البشرية.
بيد أن هذه وجهة واحدة من وجهات التعاطي مع العلم والأخذ منه وفهمه.
أما الوجهة التي تحرك العلماء منذ الأزمان التي بدأنا فيها نطالب بتفسيرات تتجاوز السببية المباشرة، ربما منذ تأمل سكان بلاد ما بين النهرين القدماء أشكال سلاسل النجوم، وأطلقوا الأسماء عليها وخصوها بصفات بشرية، أو نظام شروق الشمس وغروبها ودورة الأرض وتبدل الفصول تبعاً لها، فلم تحصر نفسها في النفعية الفورية، ولا في استغلال آني لكل ما يكشفه العلم. فما تقوله الصور الفضائية الحديثة والأقدم هو من صنف الرسائل التي تركها قدامى العلماء والداعية إلى إبقاء التفكير في العالم، المرئي والقريب، كما المخفي والنائي، مهمة دائمة لكل أجيال البشر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صور المنظار «ويب» ورسائلها إلى إنسان اليوم صور المنظار «ويب» ورسائلها إلى إنسان اليوم



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon