توقيت القاهرة المحلي 11:08:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إيران والصين: اللامتوقع قانوناً

  مصر اليوم -

إيران والصين اللامتوقع قانوناً

بقلم:حسام عيتاني

أزمنة عجيبة. اللامتوقع يُظهِر قدرته مرة جديدة. بعد احتجاجات إيران المفاجئة وجرأة المظاهرات في تحدي النظام ورموزه، خرج صينيون ليعترضوا على خلاصة أسلوب الحكم في إدارة البلاد.
الحشود التي كان يُنتظَر أن تخرج في إيران للاحتجاج على الأزمة الاقتصادية وتبذير النظام للثروة الوطنية في مغامرات خارج الحدود، اتخذت من الحجاب الذي تفرضه السلطات رمزاً للاعتراض الممتد على طول الخريطة الإيرانية وعرضها والذي يشمل السياسات الاقتصادية وديكتاتورية المرشد علي خامنئي وأتباعه.
على بُعد آلاف الكيلومترات، دفع حريق تسبب في سقوط عشر ضحايا في أورومتشي عاصمة إقليم شينجيانغ، وحمّل السكان المحليون السلطاتِ المسؤوليةَ عنه بسبب التعنت في منع سكان المبنى المحترق من الخروج التزاماً بتعليمات منع انتشار وباء «كوفيد - 19»، سكان عشر مدن صينية من بينها شنغهاي وبكين إلى التظاهر والمطالبة بتنحي الرئيس شي جينبينغ بعد أسابيع قليلة من تحقيقه اختراقاً كبيراً في تعزيز قبضته على السلطة، ما يؤهله للبقاء في منصبه مدة مفتوحة. «فكر شي جيبنيغ» الذي أدرجه المؤتمر الأخير للحزب الشيوعي الصيني في دستور البلاد، يحتاج إلى إعادة نظر.
كان الأقرب إلى الظن أن خطر انفجار الفقاعة العقارية والتفاوت المتفاقم بين الأثرياء والفقراء وتدهور الأرياف المستمر وتضاؤل النمو الكلي للاقتصاد الذي ينعكس هبوطاً في مؤشر الأسهم الصينية، ناهيك بممارسات الشركات التي تفرض ساعات عمل منهكة ورواتب شحيحة تُذكر بالعبودية، هي الأمور التي ستدفع الصينيين إلى الشوارع. أما أن تندلع الاضطرابات بسبب رفض إجراءات غايتها الحفاظ على الصحة العامة والحد من تفشي الوباء، فلم يكن من بين الاحتمالات المرجحة.
تبرز هنا نقطة مشتركة بين متظاهري إيران والصين: لقد وجهوا رفضهم إلى ما يُفترض أن يكون التزاماً عاماً بقيم ومبادئ يدافع عنها شعبا البلدين من خلال النظامين الشرعيين الحاكمين. الحجاب في إيران وسياسة «صفر كوفيد» في الصين. لا ينبغي أن يكون أي منهما موضع نقاش ما داما ينطلقان من تمسك الجمهورية الإسلامية في إيران بتعاليم الإسلام ومن ضمنها الحجاب وبإصرار جمهورية الصين الشعبية على وقف الموجة الجديدة من الوباء مهما كلّف الأمر، لما في ذلك من تهديد لصحة ملايين المواطنين وللاقتصاد ولسلامة البلاد عموماً.
لكن الأمر ليس بهذه البساطة. فإذا كان استخدام الدين وأوامره ونواهيه أو التحجج بالمصلحة العامة، من الممارسات المعروفة لتبرير سيطرة أنظمة وحكومات بعينها منذ قرون، فإن تجربتَي إيران والصين، بغضّ النظر عن مآلاتهما، تقولان إن العامة لم يعودوا يقبلون التفسير السطحي لسلطات لا تفوّت فرصة في تهنئة نفسها على نجاحاتها وانتصاراتها من أجل تأبيد حكمها.
ليس من دون معنى أن يحمل الصينيون في مظاهراتهم أوراقاً بيضاء للإشارة إلى غياب حرية التعبير ولا أن يتبارى الشبان الإيرانيون في الإطاحة بعمامات الملالي في الشوارع كعلامات على الفهم العميق من المحتجين للترابط الذي تقيمه السلطات بين ظاهر شعاراتها الدينية (في إيران) والمستندة إلى المصلحة العامة (في الصين) وبين مضمون السياسات الهادفة إلى ديمومة النظام الذي يستبطن قدراً من العنف والبطش والتهديد الدائم بهما.
رمزية الحجاب والعمامة وإجراءات «صفر كوفيد» رأى ملايين الإيرانيين والصينيين فيها أدوات إضافية لتعميم السيطرة وكبح جماح مجتمعين يتطوران على نحو لا تستطيع سلطات طهران وبكين اللحاق به أو استيعابه وتطويعه. النظرية التي ترددت إبان الثورات العربية في العقد الماضي عن الدور الحاسم الذي أدته وسائل ومنصات التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت، تبينت قلة دقتها في بلدين يفرضان رقابة قاسية على الوسائل تلك. لا يعني ذلك أن «الإنترنت» كانت غائبة عن الاضطرابات في إيران والصين، لكنّ حضورها جاء مسانداً وثانوياً وإعلامياً -إذا صح التعبير- وليس تنظيمياً كما في «الربيع العربي».
الخطاب المزدوج الذي يغطي أهداف القوى القابضة على السلطة بقولبة المجتمع وتطويعه وتكييفه وفق ضرورات استمرار النخب في مواقعها، يغطيها بشعارات تستعير الدين والتاريخ والشعور الوطني والآيديولوجيات المختلفة، ليس جديداً في عالم الحكومات والزعماء الذين يريدون من مواطنيهم عدّهم أشباه آلهة وأئمة معصومين.
بيد أن آليات التحكم بالمجتمع عن طريق المؤسسات العامة -التي أفاض ميشال فوكو في شرحها مستخدماً أمثلة المستشفيات والسجون والمصحات العقلية وغيرها- وعن طريق المؤسسة الدينية والحزب في حالتَي إيران والصين، لإخضاع المواطنين وإقناعهم بتأييد من يجلس في قصر الحاكم بل بالموت في سبيله في حروبه، باتت تتعارض مع ما يستطيع إنسان اليوم معرفته والاطلاع عليه من المصادر المتاحة ولو كرهت السلطات.
لعل على سياسيي اليوم اعتبار اللامتوقع هو القانون الذي يتعين توقعه وحده.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران والصين اللامتوقع قانوناً إيران والصين اللامتوقع قانوناً



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
  مصر اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
  مصر اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
  مصر اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 00:01 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

"لطفي لبيب يودع الساحة الفنية ويعلن اعتزاله نهائيًا"
  مصر اليوم - لطفي لبيب يودع الساحة الفنية ويعلن اعتزاله نهائيًا

GMT 14:55 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 07:29 2020 الأربعاء ,17 حزيران / يونيو

ارمينيا بيليفيلد يصعد إلى الدوري الألماني

GMT 13:03 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

"فولكس فاغن" تستعرض تفاصيل سيارتها الجديدة "بولو 6 "

GMT 18:07 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الإيطالي يتأهب لاستغلال الفرصة الأخيرة

GMT 07:24 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

دراسة توضح علاقة القهوة بأمراض القلب

GMT 22:13 2024 الجمعة ,07 حزيران / يونيو

بسبب خلل كيا تستدعي أكثر من 462 ألف سيارة

GMT 00:02 2023 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات فولكس فاغن تتجاوز نصف مليون سيارة في 2022

GMT 08:36 2021 الخميس ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أيتن عامر تحذر من المسلسل الكوري «squid games»

GMT 20:44 2021 الأربعاء ,15 أيلول / سبتمبر

شيرين رضا تتعرض للخيانة الزوجية من صديقتها المقربة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon