توقيت القاهرة المحلي 05:25:13 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«طالبان» تهندس المجتمع الأفغاني على صورتها

  مصر اليوم -

«طالبان» تهندس المجتمع الأفغاني على صورتها

بقلم:حسام عيتاني

لن يُلقي أحد قنبلة ذرية على أفغانستان رداً على تحدي وزير التعليم العالي في حكومة «طالبان» محمد نديم المتمسك بحظر الحركة تعليم النساء. الأرجح، أن الأفغانيات سيواجهن وحيدات إصرار النظام في حربه على المجتمع.
عدم الالتزام بالحجاب والمجيء إلى الجامعات من دون محرم، هما الذريعتان اللتان قدمهما محمد نديم لتبرير قرار سلطة الأمر الواقع في كابل. وعلى الرغم من إدانات الهيئات الإسلامية، على غرار شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، القرار واعتباره «لا يمثل الشريعة الإسلامية ويتناقض مع دعوة القرآن الكريم»، فإن الوزير الأفغاني شدد على أن تنظيمه لن يتراجع عن موقفه «حتى لو ألقوا علينا قنبلة ذرية».
وأتبعت «طالبان» منع الفتيات من التعليم الجامعي بحظر عمل النساء في المنظمات الأجنبية غير الحكومية بحجة ورود «احتجاجات على عدم التزام العاملات في المنظمات بقواعد الزي الإسلامي». وحمل القرار هذا ثلاثاً من المنظمات الأجنبية على تعليق عملها، علماً بأن الوضع الاقتصادي الكارثي الذي تعيشه أفغانستان عزز أهمية الدور الذي تؤديه المنظمات غير الحكومية في توزيع الحصص الغذائية والعناية الصحية للفئات المهمشة. يضاف إلى ذلك أن الحركة كانت قد منعت الفتيات من تلقي التعليم الثانوي والاكتفاء بالصفوف الابتدائية.
الغموض المحيط بخلفيات قرارات «طالبان» ينجلي، ولو جزئياً، عند الأخذ في الحسبان ثلاث نقاط؛ الأولى أن الحركة، مثلها مثل كل تنظيم آيديولوجي دينياً كان أم علمانياً، تسعى لما يجب أن يكون عليه المجتمع المثالي - الفاضل - الجديد. وهي بذلك تحذو حذو أحزاب لا تحصى في الشرق والغرب، قررت أن تبني مجتمع بلدها على صورتها ومثالها هي. وفي تصور «طالبان» الاجتماعي الذي لم تحد عنه منذ دخولها كابل للمرة الأولى في 1996، لا مكان للمرأة خارج البيت. وليس مهماً إن نسبت الحركة تصورها هذا إلى تأويلها الخاص للإسلام أم استقته من الأعراف والقيم التقليدية والعشائرية السائدة. بل المهم هو أنه سيُطبق ولو بالقوة إن وجد مقاومة من الأفغان أنفسهم في الدرجة الأولى. عليه، لا مبالغة في القول إن منع تعليم النساء يأتي في سياق عملية هندسة اجتماعية واعية.
النقطة الثانية، هي أن الظرف الذي وصلت فيه «طالبان» إلى الحكم بعد انتصارها في حرب استمرت عشرين عاماً، جعل التنظيم يؤمن بحقه في ممارسة السلطة استناداً إلى نوع من الشرعية الثورية التي حطمت الغزاة الأجانب وحلفاءهم المحليين. عليه، لا ترى «طالبان» أن هناك من يمتلك حق مساءلتها ومحاسبتها، خصوصاً من الأجانب الذين لم يبالوا عندما كانت القرى الأفغانية تتعرض لقصف الطائرات الأميركية، بحسب كلمات أحد مسؤولي الحركة.
وفي الوقت الذي ليس على جدول أعمال «طالبان» الدعوة إلى انتخابات من أي نوع، ولا يهمها كثيراً توسيع قاعدتيها الشعبية والسياسية على ما ظهر من المفاوضات التي أجرتها في الأيام الأخيرة من حكم أشرف غني مع ممثلي القوى الأفغانية الأخرى، فإنها ستمضي في تنفيذ برنامجها ببنوده السياسية والاجتماعية كافة. الدول التي ما زالت تقيم علاقات مع كابل، لا تضع القضايا الأفغانية الداخلية في قائمة أولوياتها ولا تبدي، بالتالي، أي نوع من الحساسية حيال ما يصدر عن الحكومة القائمة.
أما النقطة الثالثة، فهي أن تزايد النشاط المسلح لتنظيم «داعش» الذي يشنّ عمليات وصل بعضها إلى كابل، إضافة إلى تفجيرات وهجمات متفرقة في أنحاء أفغانستان، يجعل «طالبان» في حالة منافسة ومزايدة على إبداء أكبر قدر ممكن من التشدد في ساحة تأويل الأوامر والنواهي الدينية كما يتصورها التنظيمان. من هنا، يمكن فهم سياق الأنباء عن خلافات داخل قيادة «طالبان» بين المتشددين والمعتدلين في شأن الإجراءات المناهضة لتعليم الفتيات. غني عن البيان أن نساء أفغانستان سيُكنّ ضحايا المنافسة تلك؛ إذ إنهن الهدف السهل والضعيف لكل المتطرفين من أي معسكر جاءوا.
المقاومة البطولية التي تبديها نساء أفغانستان المطالبات بحقوقهن البديهية في العمل والعلم، تصدر أساساً من رفض المجتمع الأفغاني تكبيله ومنعه من التكامل وإصلاح نفسه بغض النظر عن شكل الحكم القائم، بعدما أنهكته عقود من الحروب والاحتلالات والدمار. وتحمل النساء اليوم العبء الأكبر في إنقاذ المجتمع وإعادته من غيبوبته المديدة إلى وعي طال انتظاره. وهذه مهمة بالغة الصعوبة بالنظر إلى تاريخ البلاد وسلسلة الكوارث التي تلم بها منذ قرون وعند كل منعطف.
ويبدو أن «الإخفاق» الذي رأى شاعر النيل، حافظ إبراهيم، أن إهمال تربية النساء هو علته في هذا الشرق، سيظل يظهر مُغيّراً كل بضع سنوات اسمه وشكله وألقاب دعاته.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«طالبان» تهندس المجتمع الأفغاني على صورتها «طالبان» تهندس المجتمع الأفغاني على صورتها



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon