توقيت القاهرة المحلي 12:25:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«طالبان» تهندس المجتمع الأفغاني على صورتها

  مصر اليوم -

«طالبان» تهندس المجتمع الأفغاني على صورتها

بقلم:حسام عيتاني

لن يُلقي أحد قنبلة ذرية على أفغانستان رداً على تحدي وزير التعليم العالي في حكومة «طالبان» محمد نديم المتمسك بحظر الحركة تعليم النساء. الأرجح، أن الأفغانيات سيواجهن وحيدات إصرار النظام في حربه على المجتمع.
عدم الالتزام بالحجاب والمجيء إلى الجامعات من دون محرم، هما الذريعتان اللتان قدمهما محمد نديم لتبرير قرار سلطة الأمر الواقع في كابل. وعلى الرغم من إدانات الهيئات الإسلامية، على غرار شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، القرار واعتباره «لا يمثل الشريعة الإسلامية ويتناقض مع دعوة القرآن الكريم»، فإن الوزير الأفغاني شدد على أن تنظيمه لن يتراجع عن موقفه «حتى لو ألقوا علينا قنبلة ذرية».
وأتبعت «طالبان» منع الفتيات من التعليم الجامعي بحظر عمل النساء في المنظمات الأجنبية غير الحكومية بحجة ورود «احتجاجات على عدم التزام العاملات في المنظمات بقواعد الزي الإسلامي». وحمل القرار هذا ثلاثاً من المنظمات الأجنبية على تعليق عملها، علماً بأن الوضع الاقتصادي الكارثي الذي تعيشه أفغانستان عزز أهمية الدور الذي تؤديه المنظمات غير الحكومية في توزيع الحصص الغذائية والعناية الصحية للفئات المهمشة. يضاف إلى ذلك أن الحركة كانت قد منعت الفتيات من تلقي التعليم الثانوي والاكتفاء بالصفوف الابتدائية.
الغموض المحيط بخلفيات قرارات «طالبان» ينجلي، ولو جزئياً، عند الأخذ في الحسبان ثلاث نقاط؛ الأولى أن الحركة، مثلها مثل كل تنظيم آيديولوجي دينياً كان أم علمانياً، تسعى لما يجب أن يكون عليه المجتمع المثالي - الفاضل - الجديد. وهي بذلك تحذو حذو أحزاب لا تحصى في الشرق والغرب، قررت أن تبني مجتمع بلدها على صورتها ومثالها هي. وفي تصور «طالبان» الاجتماعي الذي لم تحد عنه منذ دخولها كابل للمرة الأولى في 1996، لا مكان للمرأة خارج البيت. وليس مهماً إن نسبت الحركة تصورها هذا إلى تأويلها الخاص للإسلام أم استقته من الأعراف والقيم التقليدية والعشائرية السائدة. بل المهم هو أنه سيُطبق ولو بالقوة إن وجد مقاومة من الأفغان أنفسهم في الدرجة الأولى. عليه، لا مبالغة في القول إن منع تعليم النساء يأتي في سياق عملية هندسة اجتماعية واعية.
النقطة الثانية، هي أن الظرف الذي وصلت فيه «طالبان» إلى الحكم بعد انتصارها في حرب استمرت عشرين عاماً، جعل التنظيم يؤمن بحقه في ممارسة السلطة استناداً إلى نوع من الشرعية الثورية التي حطمت الغزاة الأجانب وحلفاءهم المحليين. عليه، لا ترى «طالبان» أن هناك من يمتلك حق مساءلتها ومحاسبتها، خصوصاً من الأجانب الذين لم يبالوا عندما كانت القرى الأفغانية تتعرض لقصف الطائرات الأميركية، بحسب كلمات أحد مسؤولي الحركة.
وفي الوقت الذي ليس على جدول أعمال «طالبان» الدعوة إلى انتخابات من أي نوع، ولا يهمها كثيراً توسيع قاعدتيها الشعبية والسياسية على ما ظهر من المفاوضات التي أجرتها في الأيام الأخيرة من حكم أشرف غني مع ممثلي القوى الأفغانية الأخرى، فإنها ستمضي في تنفيذ برنامجها ببنوده السياسية والاجتماعية كافة. الدول التي ما زالت تقيم علاقات مع كابل، لا تضع القضايا الأفغانية الداخلية في قائمة أولوياتها ولا تبدي، بالتالي، أي نوع من الحساسية حيال ما يصدر عن الحكومة القائمة.
أما النقطة الثالثة، فهي أن تزايد النشاط المسلح لتنظيم «داعش» الذي يشنّ عمليات وصل بعضها إلى كابل، إضافة إلى تفجيرات وهجمات متفرقة في أنحاء أفغانستان، يجعل «طالبان» في حالة منافسة ومزايدة على إبداء أكبر قدر ممكن من التشدد في ساحة تأويل الأوامر والنواهي الدينية كما يتصورها التنظيمان. من هنا، يمكن فهم سياق الأنباء عن خلافات داخل قيادة «طالبان» بين المتشددين والمعتدلين في شأن الإجراءات المناهضة لتعليم الفتيات. غني عن البيان أن نساء أفغانستان سيُكنّ ضحايا المنافسة تلك؛ إذ إنهن الهدف السهل والضعيف لكل المتطرفين من أي معسكر جاءوا.
المقاومة البطولية التي تبديها نساء أفغانستان المطالبات بحقوقهن البديهية في العمل والعلم، تصدر أساساً من رفض المجتمع الأفغاني تكبيله ومنعه من التكامل وإصلاح نفسه بغض النظر عن شكل الحكم القائم، بعدما أنهكته عقود من الحروب والاحتلالات والدمار. وتحمل النساء اليوم العبء الأكبر في إنقاذ المجتمع وإعادته من غيبوبته المديدة إلى وعي طال انتظاره. وهذه مهمة بالغة الصعوبة بالنظر إلى تاريخ البلاد وسلسلة الكوارث التي تلم بها منذ قرون وعند كل منعطف.
ويبدو أن «الإخفاق» الذي رأى شاعر النيل، حافظ إبراهيم، أن إهمال تربية النساء هو علته في هذا الشرق، سيظل يظهر مُغيّراً كل بضع سنوات اسمه وشكله وألقاب دعاته.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«طالبان» تهندس المجتمع الأفغاني على صورتها «طالبان» تهندس المجتمع الأفغاني على صورتها



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:05 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
  مصر اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon