توقيت القاهرة المحلي 05:25:13 آخر تحديث
  مصر اليوم -

انتظارات اللبنانيين بين الرغيف والحرب

  مصر اليوم -

انتظارات اللبنانيين بين الرغيف والحرب

بقلم:حسام عيتاني

ينتظر اللبنانيون أشياء كثيرة هذه الأيام: ينتظرون أمام الأفران للحصول على بعض الخبز. ينتظرون اندلاع حرب ضد إسرائيل يظهر على الشاشات كل بضعة أيام من يُبشّر بها كمنقذ من النكبة المتمادية في البلد. ينتظرون مجيء مغتربيهم الذين يحملون مالاً هم في أمسّ الحاجة إليه لتحريك ما تبقّى من اقتصاد ومؤسسات سياحية. ينتظرون عودة موظفي القطاع العام عن إضرابهم المفتوح لإنجاز معاملاتهم المعلقة. ينتظرون الإفراج عن جوازات سفر مُنعت عنهم لأسباب غير مفهومة. ينتظرون حصتهم من كهرباء لا تزيد على الساعة والنصف يومياً. ينتظرون دواء لمرضاهم.
كل من مواطني لبنان ينتظر أملاً يتغير شكله حسب حاجة المنتظر. هناك من ينتظر تأشيرة هجرة للفرار من الجحيم اليومي. آخر ينتظر استعادة ولو جزء من وديعته المصرفية التي عوّل ذات يوم عليها كضمان لشيخوخة تقيه ذلّ الحاجة. ثالث ينتظر تخرج أبنائه في الجامعات ليبدأوا هجرة هي المشروع الوحيد المعقول لشباب لبنان.
ولا يندر أن يحمل اللبناني انتظارين أو ثلاثة في آن؛ كأنْ يفكر خلال وقوفه بطابور يتشارك فيه مع آلاف من نظرائه آملاً نيل أرغفة معدودة، في أن إطلاق الصواريخ الذكية على منصات استخراج النفط والغاز الإسرائيلية في عرض البحر هو الحل الأنسب لإنهاء معاناته. أو أن يكون قد أدلى بصوته في الانتخابات النيابية الأخيرة لمصلحة زعيم طائفته ويعلق الآمال على دولارات قليلة يرسلها قريب له من الخارج تعينه على تحمّل المصائب اليومية. لا يحضر في ذهن صاحبنا المتأمل خيراً في الحرب على إسرائيل والواقف في طابور الفرن أن مأزقه صنعه أبناء جلدته الذين يُخفون الطحين، ويهرّبونه لتقاسم أرباح الدعم مع أجهزة النظام السوري الأمنية. ولا أن البدء بحرب جديدة سيكون مقامرة غير معروفة النتائج حتى لو قال له صاحب الصواريخ الذكية إن الموت شهيداً في القتال (أو بالأحرى القصف) الإسرائيلي أفضل من الموت قتلاً في عراك قرب فرن أو محطة وقود.
رفع التناقض المنطقي ليس مهماً عند اللبنانيين المنتظرين وإلا كنا شهدنا منذ مظاهرات أكتوبر (تشرين الأول) 2019، تحولاً في معنى السياسة وانتقالها من أداة لتأبيد الانقسام الطائفي والسيطرة على جماعات لا يجمعها غير خوفها بعضها من بعض واحتقارها لكل مختلف عنها، إلى وسيلة لتحقيق مصلحة الأكثرية المتضررة المنتظرة اليوم تحقق أوهامها.
الاستثمار في الخوف والاحتقار المتبادل ليسا بالشيء الجديد في عالم اللبنانيين. بيد أن لكل مرحلة شعارها ومبرراتها. التقسيم كان شعاراً لتخليص المسيحيين من سيطرة منظمة التحرير الفلسطينية وحلفائها اليساريين والمسلمين في بدايات الحرب الأهلية. في الثمانينات حل شعار «المناطق الحرة» المسيحية مقابل المناطق المسلمة الخاضعة للاحتلال السوري. اليوم، تُستعاد أفكار من نوع تقسيم بلدية بيروت والفيدرالية بعد الوصول إلى يأس مطبق من القدرة على خروج البلد موحداً من الهاوية التي ما زال يتدحرج فيها.
تجدر الإشارة هنا إلى أن دعاة الفيدرالية الذين ينطلقون من خلفية «إنقاذ ما يمكن إنقاذه» من لبنان ما دام خلاص البلد كاملاً من رابع المستحيلات، سيصطدمون في القريب بالممثلين التقليديين للمسيحيين. ذلك أن مشروع الفيدرالية يرمي إلى تحرير المسيحيين من أعباء العيش مع أكثرية مسلمة، يهيمن على جناحها الشيعي حزب مسلح حتى الأسنان. في الوقت الذي ينسب «التيار الوطني الحر»، على سبيل المثال، سلامة المسيحيين حالياً إلى السلاح ذاته. سيظهر التباين واضحاً بين الفيدراليين الذين يريدون أن يعيشوا بسلام في مناطقهم وبين التقليديين الذين يرون الخوف من الآخر أو استغلال قوته، مصدر سلطتهم على جماعتهم.
مشروع تقسيم بلدية بيروت يقوم على التهويل من أن تتمدد حالة الفوضى والدمار اللذين يلفّان المنطقة الغربية المسلمة، من بيروت إلى المنطقة الشرقية المسيحية الأكثر تنظيماً وازدهاراً. إبقاء الجماعة في حالة الخوف هو السم الزعاف لكل حالة اندماج وطني، أو حتى (كما سيكتشف أنصار الفيدرالية) انفصال غير دموي. لكنّ هذا بحث آخر.
أما الواقف في طابور الخبز فهو مستعد أن يقتُل ويُقتَل، ليس فقط إذا تجاوزه أحدهم ووقف أمامه، بل أيضاً إذا قيل له وهو يتصبب عرقاً تحت شمس يوليو (تموز) إن فكرة الحرب على إسرائيل في هذه اللحظة غير مؤاتية وستكلّف لبنان، وستكلفه هو شخصياً المزيد من المآسي وتجعل انتظاراته الحالية بمثابة النزهة مقارنةً بما سينزل ببلده وأهله.
ولعله من أول الدروس التي استخلصها الحكام منذ عهود سحيقة في القدم، ذلك القائل إن اختراع صراعات خارجية غالباً ما يُخفي الاستياء الداخلي. فكيف إذا كان الداخل يقف عاجزاً منذ ثلاثة أعوام عن الإقدام على تسوية ولو مشكلة واحدة من مشكلاته الجمّة، وتنتظره في الشهور المقبلة انتخابات رئاسية الأرجح أنها ستتحول إلى استعراض إضافي للإفلاس الصافي؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

انتظارات اللبنانيين بين الرغيف والحرب انتظارات اللبنانيين بين الرغيف والحرب



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon