توقيت القاهرة المحلي 05:32:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الحق في الديمقراطية وفي مساءلتها

  مصر اليوم -

الحق في الديمقراطية وفي مساءلتها

بقلم: حسام عيتاني

انتزع الرئيس فلاديمير بوتين من الأفغان الحق في اختيار نظام الحكم الذي يناسبهم في معرض انتقاد لمحاولات الغرب فرض نموذجه من الديمقراطية. لكن إبقاء شعوب العالم الثالث أسرى «تقاليدهم» لا يقل اعتباطاً عن كل محاولات استيراد صيغ جاهزة من الحكم.
وقال بوتين في المؤتمر الصحافي المشترك مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل: «من الضروري التوقف عن السياسة غير المسؤولة بفرض قيمنا على الآخرين ومحاولة بناء ديمقراطية في بلدان أخرى تقوم على نماذج من الخارج من دون الأخذ في الاعتبار المسائل التاريخية والإثنية والدينية، وتتجاهل تجاهلاً كاملاً تقاليد الشعوب الأخرى».
يتردد في كلام الرئيس الروسي صدى مقولات النظرية الأوراسية التي تجد تأييداً رسمياً في موسكو والرافضة لكونية النموذج الغربي من الليبرالية - الديمقراطية والقائلة بأن روسيا تتميز بخصائص تنبع من تراثها الذي ينطوي على عناصر من أوروبا وآسيا معاً، وهي بالتالي حضارة قائمة بذاتها لا يصح فيها ما يصح في المجتمعات والدول الغربية، وخصوصاً نظام الحكم الديمقراطي.
بيد أن بوتين أغفل أثناء توسيعه المقولات التي يبرر فيها تخلي حكمه عن الأفكار الديمقراطية التي وجدت موطئ قدم لها في روسيا في التسعينات والعقد الأول من الألفية الحالية، حق الأفغان - وكل الشعوب التي لا تنتمي إلى الغرب - في اختيار نموذج تراه الأفضل لتحكم نفسها به. وألزم الرئيس الروسي الأفغان والآخرين البقاء ضمن أنظمة تتلاءم مع تصوراته هو لتراث تلك الشعوب ومساراتها التاريخية والدينية وتقاليدها، وفق ما يفهمه الرئيس الروسي.
وهذا موقف لا يختلف، في العمق، عن الموقف الذي انتقده بوتين؛ ذلك أن ما من شيء ينبئ المراقب الموضوعي عن شكل الحكم والنظام السياسيين اللذين يفضلهما الأفغان ما دام أن رحيل النظام السابق وحلول حركة طالبان مكانه جاءا في إطار الانهيار الشامل الذي لم يترك مجالاً للمواطنين للتعبير عن إرادتهم الحرة.
وسائل الإعلام والمحللون الذين احتفوا بدخول عناصر الحركة الإسلامية إلى القصر الجمهوري في كابل، فعلوا ذلك من مواقع مختلفة، تتراوح بين الثأر لتراجع الحركات الدينية السياسية عن مواقع السلطة في العديد من البلدان وصولاً إلى التبشير بقرب سقوط الإمبراطورية الأميركية.
الديمقراطية تقع في رأس لائحة ما ينبغي الاحتفال بسقوطه: جاء بها الأميركيون، فلتذهب بها طالبان. وكأن الديمقراطية عاشت أزهى عصورها في عهدي حميد كرزاي وأشرف غني اللذين جاءا إلى السلطة على خلفيتين قبليتين ومارسا أثناء رئاستيهما كل ما في قاموس رؤساء العالم الثالث.
ولنتفق، أولاً، على أن الديمقراطية - الليبرالية هي حصيلة مسار تاريخي أوروبي - شمال أميركي استغرق نضوجه مئات الأعوام وظل حتى أواخر القرن التاسع عشر، تتغلب فيه الليبرالية على الديمقراطية، أو ما يسميه المؤرخ إريك هوبزباوم «عصر رأس المال».
احتلال الديمقراطية منزلة مساوية وموازية لليبرالية استغرق عقوداً من النضال العمالي والنقابي ومرّ بحربين عالميتين ليصل إلى الصيغة الحالية التي ما زالت تشهد تنافساً بين هذين المكونين الرئيسيين. سمته الكونية تحققت بعد الانتصار على ألمانيا النازية واليابان العسكرية، وترسخت بعد اختفاء التحدي الجدي الأخير الذي كان يمثله الاتحاد السوفياتي.
من ناحية ثانية، تتعارض كل محاولة لفرض هذا النموذج مع طبيعته البسيطة كخيار حرّ لأفراد أحرار. والسعي إلى إرغام أي شعب على اتباع النموذج الديمقراطي، يتناقض مع التعريف الأولي لهذا النموذج.
ودعونا نقل، ثانياً، إن أي نظام حكم يقوم على تحكيم أقلية، سياسية - عرقية - اجتماعية - دينية، بأكثرية المواطنين، مستغلة أساليب الترهيب والقمع والإقصاء، يتناقض مع ما يفترض أنه قيم عالمية وروح العصر (بالمعنى الإيجابي). ومن حق الأفراد، المكون الأساس للشعوب، أن يختاروا شكل الحكم الذي يتفق مع تطلعاتهم المستقبلية - وبالقدر ذاته - مع تراثهم وتقاليدهم وخياراتهم.
التوازن بين هذين المعطيين (حق الأفراد في الاختيار والاتساق مع الموروث) ليس مستحيلاً على ما يريد لنا أن نقتنع به الرئيس بوتين الذي يجد في خندقه مفكري ما بعد الكولونيالية الرافضين لكل تأثر بالغرب، من جهة، ومن يسقط كل ما تمثله الخصوصيات الوطنية والمحلية من الجهة المقابلة.
ثالثاً، وفي المقابل، ليس من حق أي دولة أو مرجعية آيديولوجية إسقاط تصوراتها على شعوب أخرى، وإذا كانت الديمقراطية هي التجسيد السياسي للحرية من أجل الخير العام، فلا شيء يحول دون أن ترفض أمم ومجتمعات هذا الطريق جراء خشيتها من ضياع هوية أو ثقافة أو تقاليد. وتنتهي هنا فكرة «التقدم» الذي قيل إنه الهدف الأسمى لحركة التاريخ، وتكون تلك المجموعات البشرية قد اختارت مصيرها بنفسها وتتحمل تبعات هذا الخيار.
المهم في كل ذلك هو السؤال عن توفر الحرية للأفراد قبل الجماعات في انتخاب نظام الحكم الذي يلائمها، لا أن يختاره لها رئيس أجنبي بغض النظر عن اسمه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحق في الديمقراطية وفي مساءلتها الحق في الديمقراطية وفي مساءلتها



GMT 12:55 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

فيديوهات غبية في هواتفنا الذكية!

GMT 12:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

«الداخلية» توضح دورها على طريق ديروط - أسيوط

GMT 12:50 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

عراب كامب ديفيد.. الانقلاب على الإرث المر!

GMT 12:48 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

محاكمة الساحرات

GMT 07:48 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

مفكرة القرية: الإلمام والاختصاص

GMT 07:47 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

إيران بين «طوفان» السنوار و«طوفان» الشرع

GMT 07:46 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

عواقب النكران واللهو السياسي... مرة أخرى

GMT 07:45 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

الهجوم الإخواني على مصر هذه الأيام

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon