توقيت القاهرة المحلي 14:27:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

العدالة... ذلك الطائر الناري

  مصر اليوم -

العدالة ذلك الطائر الناري

بقلم:حسام عيتاني

مرات عديدة دوّت كلمة «العدالة» في الجلسة الأولى لمجلس النواب اللبناني المنتخب أخيراً، لتتبعها على الفور صرخة «ملغاة» يطلقها رئيس المجلس، الممثل حينها لتحالف السلطة الحاكم.
وكأن الممسكين بخناق بلدنا لا يستطيعون سماع كلمات من نوع «العدالة لضحايا تفجير مرفأ بيروت» الذين يجلس بعض المتهمين بالتسبب في قتلهم وجرحهم وتشريدهم على مقاعد النواب، و«العدالة للقمان سليم» الذي تتمثل الجهة المسؤولة عن اغتياله بكتلة نيابية لا يُستهان بها، أو «العدالة للمودعين» الذين خسروا أموالهم بتواطؤ فاضح بين السلطة ومجلسها النيابي وأصحاب المصارف.
وسريعاً ما لاحظ رواد منصات التواصل الاجتماعي ذاك التتابع بين طلب «العدالة» وإلغائها الفوري. خلاصة الاستنتاج المبني على الملاحظة أن المجلس الذي انضم إليه حوالي 13 نائباً محسوباً على «انتفاضة 17 تشرين» (أكتوبر «تشرين الأول» 2019) لم يخرج من قبضة من أوصل لبنان إلى الهاوية، ويمنع كل مساعي إخراجه منها. كذلك الأمر بالنسبة إلى السلطتين التنفيذية والقضائية اللتين تدوران في فلك «المرجعيات» و«الأقطاب» الحاكمة.
ولم تكن صدفة أن يلتقي مؤيدو «17 تشرين» مع أتباع القوى التقليدية، كل من منطلق مختلف عن الآخر، في توجيه انتقادات قاسية إلى «نواب التغيير». فلسوء طالع هؤلاء أن حجم الآمال المعلقة عليهم يوازي حجم النكبة التي اجتاحت لبنان. وفي الوقت الذي لا تنقص خصومهم فيه أدوات السلطة والمال والسلاح والإعلام، يبدون هم مجردين من كل شيء باستثناء جمهور متطلب ومستعجل على علاج مصائبه.
أما العدالة التي تردد اسمها في جلسة البرلمان اللبناني الجديد، فهي أشبه ما تكون بطائر النار في الميثولوجيا السلافية. ولا يعادل قدراته الخرافية على بث النور وجماله الباهر سوى استحالة الوصول إليه وأسره في قفص. فيقتصر حلم الساعي على الحصول على ريشة من جناح الطائر الناري، ليضيء بها عتمة داره وعمره.
هكذا العدالة المأمولة- المقتولة في لبنان. كلما زاد الطلب عليها اتضح امتناعها وشراسة الوحوش التي تحول دون الوصول إليها. وليس الغرق في إضفاء صفات خارقة على النواب الجدد بمفيد لهم ولا لناخبيهم، ولا لمحاولات إحياء العملية السياسية في البلد. فتشابك الانهيار الاقتصادي مع وجود قوى عاتية تتولى الدفاع عن النظام، ولو بتوسل طريق العنف والاغتيال والقمع العاري، لا يترك مجالاً واسعاً لهؤلاء النواب لمباشرة تنفيذ ما حملوا من برامج وأفكار، من أسف أن أكثرها أقرب إلى الأوهام في مقابل المنظومة الحاكمة المتجذرة في بنية المجتمع اللبناني وطوائفه وعشائره وطبقاته، والمُدركة للخطر الذي تشكله أصوات تجهد للتخلص من الانحيازات التي تفرضها الهويات الجزئية، ومن عوامل السقوط والدمار السابقة.
لعل هناك من يرى أن ما يجري في لبنان منذ الانتخابات التشريعية، وصولاً إلى انعقاد جلسة مجلس النواب، لا يزيد على عرض صاخب لخلافات اللبنانيين حول أسباب خراب بلدهم. وأن المشاركين في العرض هذا أضعف من أن يصلحوا الحال، وأنهم في واقع الأمر من «مساحيق التجميل» التي تستغلها الجماعة الحاكمة للتسويق لنفسها مجدداً أمام خارج خبا اهتمامه بلبنان، ولم يعد يبالي بما يجري فيه.
وليس في منأى عن الصواب الاعتقاد بأن هذا العرض الجانبي إنما يخفي خطراً جسيماً آخر يحدق بلبنان والمنطقة، ويمكن تلمسه في الخطابات الأخيرة للأمين العام لـ«حزب الله»، عن إمكان اندلاع حرب إقليمية وشيكة، وعن الرهان غير الصحيح على ثروات لبنان من النفط والغاز التي ما زال الطريق إلى استثمارها طويلاً وشائكاً. الأمين العام يحدث المبتهجين بانتخاب 13 نائباً تغييرياً، بما لا يريدون سماعه: لا فكاك من هذه الأنشوطة المعقودة على رقابكم والتي لا تعدكم إلا بالحروب و«الانتصارات» والدماء، وهذه تعادل المزيد من الاقتتال الأهلي وتفكك الدولة واضمحلال المجتمع. وذرائع الحروب المقبلة جاهزة. فإن لم تنفع مقولة حماية ثروات لبنان النفطية في البحر، فلا مانع من الانخراط في حرب لأي سبب آخر.
حتى اليوم، وعلى الرغم من النيات الطيبة ومن التغير مرتفع الصوت ولكن منخفض الفاعلية في المجلس النيابي، لم تتكون الكتلة السياسية اللازمة لتفكيك التحالف الحاكم وكتل مصالحه الممتدة من المصارف إلى الميليشيات المسلحة. وما زال الدمار هو البند الوحيد المطروح على جدول أعمال أصحاب النظام وحُماته. ولم تظهر بعد مناعة الجسم الاجتماعي اللبناني أو قدرته على محاربة أمراضه. يحف بذلك فضائح صغيرة تؤلفها تحالفات بين مدعي الخصومة من أبطال المنظومة وزبانيتها، وتبدلات تأتي بها ضرورات تكتيكية لسياسيين أدمنوا على المقامرة بما لا يملكون.
حلم العدالة لضحايا جماعات الفساد والعنف والتهرب من العقاب، سيبقى بعيد المنال، طائراً من نار. بيد أن لا مفر من الركض خلفه، علّ ريشة مضيئة تسقط من جناحه أخيراً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العدالة ذلك الطائر الناري العدالة ذلك الطائر الناري



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:05 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
  مصر اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon