توقيت القاهرة المحلي 11:54:09 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لبنان: القول والفعل وموتهما

  مصر اليوم -

لبنان القول والفعل وموتهما

بقلم: حسام عيتاني

قبل أيام، كتب زميل أننا إذا نحّينا لغة الشتائم جانباً، لن نجد ما يقال عن السياسيين اللبنانيين وانعدام كل كفاءة لديهم ما خلا التفنن في اختراع الأكاذيب والإمعان في الجريمة وتعميم الصغائر. لكن هذا جانب واحد من الصورة.
أفرط السياسيون، من مختلف الألوان والمِلل والطوائف، في احتقار مواطنيهم، بعدما غطّوا أو شاركوا مشاركة مباشرة في سرقة ودائع الناس في المصارف وأعاقوا التحقيق في تفجير مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس (آب) تاركين عائلات وأصدقاء مائتي ضحية وستة آلاف جريح وأصحاب آلاف البيوت والمتاجر، من دون إجابة شافية عن هوية المسؤول عن تلك الكارثة التي تجري -بنجاح- محاولات طمرها مع غيرها من المذابح والفضائح والكوارث التي تنزل باللبنانيين من دون توقف أو هدنة أو راحة كأنها لعنات تترى. وبعد حملات دعائية تكاد لا تقارَن إلا بحفلات الزّار، تمخضت المرحلة الأولى من التنقيب عن النفط والغاز عن بيان هزيل للشركة المُنقِّبة تقول فيه إنها «ستتعمق بدراسة» النتائج السلبية، من دون أن يكلف مسؤول لبناني نفسه عبء تفسير الفارق بين ضخامة الاحتفالات ببدء التنقيب والصمت المطبق الذي رافق رفع السفينة المولجة بالمهمة مرساتها والرحيل من أمام الشاطئ اللبناني. هذا ناهيك بمهزلة «التوجه شرقاً» و«الجهاد الزراعي» كحلّين طرَحَهما مَن لا يفقه الألف من الياء في الاقتصاد والاجتماع أو في صورة العالم المعاصر أو حتى في خريطة لبنان وشؤون أهله وتوزع المصائب عليهم.
كما تواطأ السياسيون -المسلحون منهم والغيورون على السِّلم الأهلي سواء بسواء- مع أصحاب المصارف على حرمان صغار المودعين والطلاب في الخارج من أبسط حقوقهم في الوصول إلى أموالهم. بل إن بشار الأسد وجد في هذه الكارثة ما يبرر به إدارته الكارثية لاقتصاد بلاده ودفع السوريين إلى الموت جوعاً، بتحميل المصارف اللبنانية مسؤولية ضياع مليارات الدولارات التي يملكها السوريون. في الوقت ذاته، لا تزيد «الحركة السياسية» على مناكفات بين «بيوتات» السياسيين أنفسهم وتبادل إلقاء اللوم في شأن مَن يعيق تأليف الحكومة التي، في حال أبصرت النور، لن تكون غير أداة إضافية لتسيير الفساد وإدارته وتوزيع غنائم ما تبقى من المال العام على المافيات الإجرامية – السياسية.
لا يرمي التذكير بذلك كله إلى إضافة سطور جديدة إلى أدب النواح والندب الذي بات يحتل حيزاً واسعاً من كتابات الصحافيين والمهتمين بحالة اللبنانيين. بل يشير إلى أن عجز اللغة عن وصف ما فعله ويفعله سياسيو هذا البلد التعس يسير يداً بيد مع عجز شامل عن انتزاع ولو إصلاح شكلي أو فرضه على الجماعة الحاكمة، رغم نزول مئات آلاف اللبنانيين إلى الشوارع وسقوط قتلى وجرحى في المواجهات مع أجهزة الأمن، احتجاجاً على التدمير المفتعل والمقصود (حسب العبارة التي استخدمها «البنك الدولي» في تقريره الأخير عن لبنان)، لحيوات المواطنين ومستقبلهم وسعيهم إلى العيش الكريم.
ولا يُبشر اضمحلال القدرة على القول والفعل لدى اللبنانيين الذين جاوزوا اليأس إلى الاستسلام الكامل لموت بطيء ومتدرج، بإمكان «نهوضٍ» ما، يعقب السقوط في حفرة الكارثة، على ما تقول روايات كُتِبت في أزمنة أخرى عن تجارب تُوجت بنهايات سعيدة يسترجع فيها المسلوب حقه السليب ويعود المنفي إلى وطنه وينتقم فيها المظلوم من الظالم. فالموت الآتي على شكل مرض «كورونا» والانتظار من دون أمل أمام المستشفيات ومراكز توزيع الإعاشات الهزيلة والتطلع إلى الهروب من «وطن النجوم» و«الرسالة الحضارية» ولو على ظهر مركب خشبي متهالك، لم يترك مجالاً لفعل سياسي معارض يستحق هذه التسمية.
الفشل المدوّي الذي انتهت إليه انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، لم يكن فقط بسبب نقص التنسيق بين المنتفضين ولا بسبب انتفاخ ذواتهم وتورمها ولا يرجع إلى غياب البرنامج القابل للتطبيق عن جدول أعمال المتظاهرين ولا الغرق في نقاشات سخيفة حول الطبقة والطائفة والأوليغارشيا. فهذه كلها عوامل أسهمت في تعميق الحقيقة الكبرى التي سطعت في الأيام الأولى للانتفاضة والتي حاول كثر تجاهلها، وخلاصتها أن حزباً مسلحاً ويمتلك تمثيلاً طائفياً واسعاً قرر إحباط الانتفاضة وكسرها مهما كان الثمن. ما قاله الأمين العام لهذا الحزب كان صريحاً في تحديه للمتظاهرين السلميين الذين تعرضت مسيراتهم وخيمهم وتجمعاتهم لاعتداءات لا تحصى من أتباع الحزب المذكور من دون أن يجدوا الشكل الملائم للرد على التحدي ووقف الاعتداءات غير الغوص في سفاسفهم ونقاشاتهم عديمة المعنى وهزيلة المبنى.
دافع «حزب الله» عن النظام الفاسد بكل رموزه إذن. رموز تحالف أو تناقض معها، لا فرق. ذاك أن لبناناً أقرب إلى أوكار بنات آوى وأعشاش الغربان والبوم، هو ما يخدم مشروعاً إمبراطورياً ما فتئ «يصبر استراتيجياً» حتى يتغير ساكن البيت الأبيض فيستأنف تمدده على جثثنا التي بدأت تكمل صورة جثث إخوتنا العائمة في البحر الأبيض المتوسط.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان القول والفعل وموتهما لبنان القول والفعل وموتهما



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon