توقيت القاهرة المحلي 05:30:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عقد على الثورات العربية... خمس حقائق

  مصر اليوم -

عقد على الثورات العربية خمس حقائق

بقلم: حسام عيتاني

كان عقداً عاصفاً هذا الذي انقضى منذ أضرم محمد البوعزيزي النار في نفسه أمام مقر بلدية سيدي بوزيد، لتنطلق شرارة ثورات وانتفاضات امتدت من الجزائر إلى اليمن، وعلى موجتين كبيرتين. المطالبة بالكرامة والاحتجاج على استباحتها اللذان تضمنهما احتجاج بائع الخضار التونسي الشاب كانا عنواني مظاهرات حاشدة كشفت، بحشودها المليونية وبنهاياتها المأساوية، الحدود التي يمكن أن يصل إليها تطّلب الديمقراطية والعدالة في العالم العربي وحقائق قاسية لم يكن من السهل الالتفاف حولها. بل إن تجاهل الحقائق في العديد من الحالات أدى إلى انهيار كل محاولات التغيير العربية أو أرجأها، في أحسن الأحوال، إلى مستقبل غير منظور.
الحقيقة الأولى هي أن «الشارع العربي» الذي قيل الكثير في شلله وموته، تحرك. لكن ليس للقضايا التي كانت تحمل الجماهير على النزول إلى الشارع. لنتذكر أن الانتفاضة الفلسطينية الثانية في 2000 واحتلال العراق بعد ثلاثة أعوام كانا المرتين الأخيرتين اللتين شهدتا مظاهرات في العواصم العربية تتعلق بشأن عربي عام (إذا استثنينا المظاهرات التي سارت في بيروت ودمشق سنة 2006 تنديداً بالرسوم المسيئة للرسول). بعد ذلك، وعلى الرغم من حروب إسرائيلية على لبنان وغزة والاقتتال الأهلي - الطائفي في العراق، لم يُسجَّل تحرك شعبي يُذكر حتى بداية الثورة التونسية.
تقترح هذه الحقيقة أن الحساسيات العربية تبدلت وحلت مكان تلك التي سادت بين الأربعينات والعقد الأول من الألفية الثالثة والتي حددها وعي قومي فطريّ حيناً ومصطنَع في أكثر الأحيان، منح الأولوية المطلقة للقضية الفلسطينية والصراع مع خارج استعماري ومتآمر، حساسيات مشتركة جديدة تعترض على الاستبداد وغياب العدالة وانسداد آفاق الارتقاء الاجتماعي أمام الشباب العربي. وأن التضامن في وجه سلطة غاشمة محلية يسبق التفاعل مع قضية خارجية خصوصاً بعدما تحولت القضية الفلسطينية إلى مطية لمعظم أنظمة المنطقة، العربية وغير العربية، لتبرير سلوكها وتحقيق المكتسبات لنفسها ولو على أشلاء الشعب الفلسطيني.
الحقيقة الثانية تتلخص في أن المعارضين، سواء الذين أسقطوا حكامهم أو من سعى منهم إلى هذا الهدف، كانوا يعرفون ماذا يرفضون لكنهم لم يتفقوا على ما يريدون. فهم يرفضون المهانة والفوات والتخلف والعنف الأعمى واقتصاد الزبائنية والفساد، التي كانت تمارسها السلطات... لكنهم كانوا يعجزون تماماً عن الإجابة الواضحة عن أسئلة تطرحها قوى أكثر حنكة وخبرة، مثل أحزاب الإسلام السياسي، في شأن المفاضلة بين الدين والعلمانية كخيار مؤسِّس للدولة، وشكل العلاقة مع الغرب، والقيم الاجتماعية المقبولة أو المرفوضة، وحقوق المرأة، وحرية التعبير والاعتقاد. الارتباك الشديد الذي قابل به الثائرون هذه المعضلات لا يدل على نقص في نضجهم الفكري بل على إدراكهم أن موازين القوى الاجتماعية ليست في صالحهم، وأن خصومهم الذين يدّعون شراكتهم في الثورات، قادرون على عزلهم وقلب الطاولة عليهم باستخدام سلاح الدين والقيم المحافظة، وهو ما حصل في سوريا ومصر وكاد ينجح في تونس.
يمكن التوسع هنا وإضافة لبنان الذي التحق بالموجة الثانية من الثورات العربية في 2019 إلى الحالات التي عجز فيها المنتفضون عن مواجهة البنى السياسية التقليدية، حيث وقف جمهور الطوائف ضد تغيير النظام وإسقاطه، مفضّلاً بقاء الزعامات التقليدية الفاسدة مع كل ما تجلبه من كوارث، على خوض تجربة تغييرية مع شخصيات وهيئات غير مجرَّبة وتفتقر إلى المصداقية وإلى القوة المادية والمعنوية الضرورية للتغيير.
ترتبط الحقيقة الثالثة بسابقتها، فالإسلام السياسي الذي وثب على الثورات العربية ولم يكن في أي مكان من محركيها أو الدافعين إليها، أثبت أمرين: الأول هو قدرته التعبوية والإعلامية وفاعليته كجهاز تنظيمي جاهز للعمل في اللحظة المناسبة وهو بالضبط ما كانت تفتقر إليه الجموع الثائرة التي تتحرك عفوياً ومن دون خطة أو تنظيم اللهم إلا بالحد الأدنى للبقاء على قيد الحياة. الأمر الآخر هو أن هذه الفاعلية المبنية على هيكل «جهازي» تنظيمي منضبط هي الحد الأقصى الذي تستطيع حركات الإسلام السياسي إنتاجه. فهي، وبصيغتيها الجهادية المسلحة والدعوية (الإخوانية) غير قادرة على إدارة مجتمعات مركبّة وذات نزعات متباينة من التحرر إلى التزمّت. وحدة التنظيم والهدف التي أعلى الإسلام السياسي من شأنها اصطدمت رأسياً بمجتمعات تطالب بالتعدد والاختلاف على ما تبين من الرفض الكاسح لأنظمة الاستبداد.
الحقيقة الرابعة هي أن المؤسسة العسكرية ما زالت ترى في نفسها ضمانة لاستتباب السلم الأهلي وعدم الانزلاق إلى الفوضى. وباستثناء الحالة التونسية التي حيّد فيها الجيش نفسه تماماً عن السياسة واكتفى بمكافحة الخلايا الإرهابية، أدت الجيوش أدواراً عدة في الثورات تتراوح بين التأييد الكامل للنظام على نحو ما جرى في سوريا (مع الإشارة إلى انشقاق آلاف الضباط والجنود) أو الانقسام والتحاق بعضها بالثورة كما في الحالة الليبية، أو التقدم لأداء دور المؤسسة المرجعية المكلفة الحفاظ على وحدة البلاد على غرار ما حصل في مصر. وفي الحالات كلها، كانت الجيوش تعكس تراثاً من العلاقة المعقدة مع المجتمع والدولة.
قد يصح وصف الحقيقة الخامسة بمشكلة «اللغة»، بمعنى الافتراق الشاسع بين «خطاب» وممارسة السلطات وبين الكيفية التي يعبِّر المواطنون وخصوصاً الشباب منهم عن نفسه وآماله وهمومه. اللغة ساحة صراع مستمر ولعلها من الساحات القليلة التي يمكن القول إن الثورات العربية لم تختفِ منها اختفاءً نهائياً. وسائل الإعلام البديلة التي تظهر على شبكة الإنترنت تحل جزئياً مكان الفضائيات والصحف الرسمية أو شبه الرسمية. وتحمل الوسائل تلك «حقائق» مغايرة لما تريد السلطة تعميمه أو فرضه كحقيقة وحيدة. ولا تقتصر المعركة هنا على التنافس في إبراز الوقائع أو نفيها، بل تصل إلى طريقة الكلام والأساليب والقضايا والقيم التي ينطلق كل جانب لخوض معاركه حولها. ورغم الحصار والإجراءات القمعية الدائمة لدى بعض الأنظمة، يمكن الجزم بأن الجولة المقبلة من الثورات العربية، أو لِنقُل – تواضعاً - محاولات التغيير، يجري التحضير لها هنا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عقد على الثورات العربية خمس حقائق عقد على الثورات العربية خمس حقائق



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon