توقيت القاهرة المحلي 16:08:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«الوطنية» و «انعدام الوطنية»

  مصر اليوم -

«الوطنية» و «انعدام الوطنية»

بقلم - حسام عيتاني

 منذ بدء الحديث عن توجيه ضربة أميركية إلى نظام بشار الأسد بعد قصفه الغوطة بالغازات الكيماوية في 2013، ارتفعت صيحات المنددين بـ «انعدام وطنية» كل من يرحب بأي عقاب يُنزل بمرتكبي الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب. يستدعي هذا رسم خطٍ واضحٍ بين الوطنية وبين انعدامها.

ماذا يعني الوطن في سياق حرب إبادة وتهجير واقتلاع وتدمير منهجي للمجتمع؟ لا يجب البحث عن الجواب لدى الضحايا. غنيّ عن البيان أن مفهوم الوطن الذي استُنسخ من أدبيات الرومنطقية القومية الأوروبية لا يفيد شيئاً بعد سبع سنوات من حرب بشار الأسد وحلفائه على السوريين. يصعب على من فقد أهله وأولاده في قصف طائرات ومدفعية التحالف المساند للأسد أن يظل وفياً لمفهوم وطن تحكمه سلطة غاشمة. فالوطن، حتى في معناه الرومنطيقي، ليس مجرد أرض يجتمع عليها ويعيش من خيرها بعض البشر، بل هي قبل ذلك مجموعة القيم والعلاقات التي تسود هذه الجماعة وتحكمها. وفي أيام المحن، ترتفع الدعاوى الوطنية للعودة إلى التقاليد المتفق عليها بين أفراد الجماعة والتي تشكل بنيتها الفوقية. الولاء لا يكون هنا للنظام ولا للحزب الحاكم ولا لمؤسسات الدولة التنفيذية.

أواخر الحرب العالمية الثانية، عندما بدأت قوات الحلفاء تتقدم داخل الأراضي الألمانية، تخلت الدعاية النازية عن أساليبها التقليدية التي استخدمتها أثناء التوسع الألماني في أوروبا ونبشت خطاب الأرض الأم والوطن المقدس والترهيب من دخول الأعداء الهمج (خصوصاً أولئك الآتين من الشرق). عاد الوطن، في تلك الأيام إلى معناه القديم المحمّل بإيديولوجيا قومية بسيطة توهم من يستمع إليها أن المصائب التي تنزل بألمانيا لا علاقة لها بما ارتكبه النازيون، بل إن هؤلاء يدافعون عن وطن يتعرض للعدوان الأجنبي السافر وأنهم جنود الحضارة بأرقى أشكالها في وجه أحفاد المغول.

دعاة الوطنية السورية في ظل نظام الأسد، يحاولون قول الشيء ذاته: الوطن، ومنذ التهديدات التي أطلقت في آب (أغسطس) 2013، في خطر. لا يهمهم من جلب هذا الخطر ولا يعنيهم كيف تسبب بشار الأسد في إشعال حرب على شعبه. لا عجب. ذلك أن واحداً من الألقاب المفضلة لوصف الأسد في قاموس آلته الدعائية هي «سيد الوطن» بما يقيم تناقضاً صريحاً بين شراكة الشعب في السيادة على وطنه وعلى نفسه وبين حصر هذه الأخيرة في «سيد» لا يتردد في التعامل مع مواطنيه كعبيد.

تزداد المسألة تعقيداً مع دخول العدو الذي يحتل جزءاً من أرض الوطن، الجولان، على خط الصراع بضربه مواقع النظام وحلفائه. الموقف الأخلاقي هو التنديد بأي عدوان خصوصاً من المحتل الإسرائيلي على الوطن. بيد أن هذا الوطن قد خسر معناه ودلالاته في خضم مسعى النظام وأنصاره إلى القضاء على المجتمع والشعب. دعاة «الوطنية» قدموا مخرجاً تلفيقياً: النظام ليس هو الوطن الذي ينبغي الدفاع عنه وعن مؤسساته بما فيها الجيش والمخابرات مهما كان الأمر، في وجه العدو الصهيوني الغاشم الخ... أقل ما يقال في تبرير كهذا إنه يصدر عن عقلية ترغب في تخبئة تواطئها مع النظام القاتل. ذلك أن الوطن ليس النظام الذي يحكمه ولا هو مؤسسات الدولة. وهذه ليست سوى إفراز للمسار الاجتماعي السياسي الذي تقدم فيه المجتمع على مدى مئات الأعوام.

فوق ذلك كله، لا بد من التساؤل عن أثر المواجهة بين مشروعين توسّعيين، إيراني وإسرائيلي، على الوطنية السورية، قبل الجزم أن الوطنية هذه هي المهدّدة من واحد، إسرائيلي، من هذين المشروعين فيما يدفعها ذلك الإيراني إلى الارتقاء في معارج التكامل والتقدم.

نقلا عن الحياة اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الوطنية» و «انعدام الوطنية» «الوطنية» و «انعدام الوطنية»



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon