توقيت القاهرة المحلي 05:29:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«الوطنية» و «انعدام الوطنية»

  مصر اليوم -

«الوطنية» و «انعدام الوطنية»

بقلم - حسام عيتاني

 منذ بدء الحديث عن توجيه ضربة أميركية إلى نظام بشار الأسد بعد قصفه الغوطة بالغازات الكيماوية في 2013، ارتفعت صيحات المنددين بـ «انعدام وطنية» كل من يرحب بأي عقاب يُنزل بمرتكبي الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب. يستدعي هذا رسم خطٍ واضحٍ بين الوطنية وبين انعدامها.

ماذا يعني الوطن في سياق حرب إبادة وتهجير واقتلاع وتدمير منهجي للمجتمع؟ لا يجب البحث عن الجواب لدى الضحايا. غنيّ عن البيان أن مفهوم الوطن الذي استُنسخ من أدبيات الرومنطقية القومية الأوروبية لا يفيد شيئاً بعد سبع سنوات من حرب بشار الأسد وحلفائه على السوريين. يصعب على من فقد أهله وأولاده في قصف طائرات ومدفعية التحالف المساند للأسد أن يظل وفياً لمفهوم وطن تحكمه سلطة غاشمة. فالوطن، حتى في معناه الرومنطيقي، ليس مجرد أرض يجتمع عليها ويعيش من خيرها بعض البشر، بل هي قبل ذلك مجموعة القيم والعلاقات التي تسود هذه الجماعة وتحكمها. وفي أيام المحن، ترتفع الدعاوى الوطنية للعودة إلى التقاليد المتفق عليها بين أفراد الجماعة والتي تشكل بنيتها الفوقية. الولاء لا يكون هنا للنظام ولا للحزب الحاكم ولا لمؤسسات الدولة التنفيذية.

أواخر الحرب العالمية الثانية، عندما بدأت قوات الحلفاء تتقدم داخل الأراضي الألمانية، تخلت الدعاية النازية عن أساليبها التقليدية التي استخدمتها أثناء التوسع الألماني في أوروبا ونبشت خطاب الأرض الأم والوطن المقدس والترهيب من دخول الأعداء الهمج (خصوصاً أولئك الآتين من الشرق). عاد الوطن، في تلك الأيام إلى معناه القديم المحمّل بإيديولوجيا قومية بسيطة توهم من يستمع إليها أن المصائب التي تنزل بألمانيا لا علاقة لها بما ارتكبه النازيون، بل إن هؤلاء يدافعون عن وطن يتعرض للعدوان الأجنبي السافر وأنهم جنود الحضارة بأرقى أشكالها في وجه أحفاد المغول.

دعاة الوطنية السورية في ظل نظام الأسد، يحاولون قول الشيء ذاته: الوطن، ومنذ التهديدات التي أطلقت في آب (أغسطس) 2013، في خطر. لا يهمهم من جلب هذا الخطر ولا يعنيهم كيف تسبب بشار الأسد في إشعال حرب على شعبه. لا عجب. ذلك أن واحداً من الألقاب المفضلة لوصف الأسد في قاموس آلته الدعائية هي «سيد الوطن» بما يقيم تناقضاً صريحاً بين شراكة الشعب في السيادة على وطنه وعلى نفسه وبين حصر هذه الأخيرة في «سيد» لا يتردد في التعامل مع مواطنيه كعبيد.

تزداد المسألة تعقيداً مع دخول العدو الذي يحتل جزءاً من أرض الوطن، الجولان، على خط الصراع بضربه مواقع النظام وحلفائه. الموقف الأخلاقي هو التنديد بأي عدوان خصوصاً من المحتل الإسرائيلي على الوطن. بيد أن هذا الوطن قد خسر معناه ودلالاته في خضم مسعى النظام وأنصاره إلى القضاء على المجتمع والشعب. دعاة «الوطنية» قدموا مخرجاً تلفيقياً: النظام ليس هو الوطن الذي ينبغي الدفاع عنه وعن مؤسساته بما فيها الجيش والمخابرات مهما كان الأمر، في وجه العدو الصهيوني الغاشم الخ... أقل ما يقال في تبرير كهذا إنه يصدر عن عقلية ترغب في تخبئة تواطئها مع النظام القاتل. ذلك أن الوطن ليس النظام الذي يحكمه ولا هو مؤسسات الدولة. وهذه ليست سوى إفراز للمسار الاجتماعي السياسي الذي تقدم فيه المجتمع على مدى مئات الأعوام.

فوق ذلك كله، لا بد من التساؤل عن أثر المواجهة بين مشروعين توسّعيين، إيراني وإسرائيلي، على الوطنية السورية، قبل الجزم أن الوطنية هذه هي المهدّدة من واحد، إسرائيلي، من هذين المشروعين فيما يدفعها ذلك الإيراني إلى الارتقاء في معارج التكامل والتقدم.

نقلا عن الحياة اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الوطنية» و «انعدام الوطنية» «الوطنية» و «انعدام الوطنية»



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon