توقيت القاهرة المحلي 05:32:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مناهضة اللقاح: نبوءات تحقق ذاتها

  مصر اليوم -

مناهضة اللقاح نبوءات تحقق ذاتها

بقلم: حسام عيتاني

في الوقت الذي كان رئيس البرازيل جاير بولسونارو يحذّر من أن عدم تحمل شركة «فايزر» المنتجة للقاح «كوفيد - 19» مسؤوليتها عن أي آثار جانبية سيجنّبها كل محاسبة إذا «تحولت إلى تمساح»، كانت المحطة التلفزيونية التابعة لحزب رئيس الجمهورية اللبنانية تخوض حملة شرسة ضد اللقاح وتنسبه إلى مؤامرة عالمية تشاركت فيها حكومات غربية ورجال أعمال وأجهزة استخبارات لفرض سيطرتها على العالم.
بولسونارو والمشرفون على محطة «أو تي في» المتحدثة باسم «التيار الوطني الحر» علامتان على مناخ واسع يحيط بانطلاق عمليات التلقيح في العديد من الدول والحذر الذي تُقابَل به رغم أنهما تمثلان الخط الأقصى من الاعتراض. وليس عسيراً رسم خط بياني يضم مواقف المشككين في اللقاح حول العالم منذ بداية تفشي الوباء حتى اليوم؛ إذ التقى أكثرهم على إنكار خطر المرض، ثم التقليل من أهميته، بعد ذلك اتفقوا على أنه مؤامرة من نوع ما (صينية أو أميركية أو من عمل شركات كبرى تبغي تحقيق أرباح بالمليارات والدخول عبر شرائح إلكترونية إلى أدمغة المرضى)، إلى أن استقر رأيهم على خطر اللقاح وعوارضه الجانبية مع تركيز على أول الواصلين إلى المستوصفات والمستشفيات: لقاح «فايزر»، واستعراض تاريخ الشركة وعلاقاتها بالحكومات وترويجها الهجومي لأدويتها.
الشك والحذر حقّان لا ينكرهما عاقل. اللقاح غير المجرّب والذي يعتمد تكنولوجيا جديدة كلياً (موصلات الـ«آر إن إيه»)، لا يمكن أن يمرّ على أجساد البشر من دون رقابة دقيقة لفاعليته ولعوارضه الجانبية وهذان (الفاعلية والعوارض) ليسا مما يسهل رصده على المدى القصير. فأكثر الخبراء يتحدثون عن 15 سنة كفترة ضرورية للإحاطة بكامل تأثيرات اللقاح.

 

بيد أن الحذر المستند إلى وعي علمي بمخاطر كل عقار جديد وأهمية متابعته والتعمق في دراسته، هو أمر، والاستسلام للتطيُّر والخرافات ونظريات المؤامرة أمر آخر. كان المفترض أن يفصل التفكير النقدي والعلمي بين الأمرين، لكن مأساة العالم اليوم هي أن الوباء قد حطم الحواجز بين نمطي التفكير العلمي والخرافي ورفع الخطاب اللاعقلاني المستفز للغرائز والمشاعر البدائية إلى مستوى الحقيقة المطلقة التي صار يُنظر إلى رافضيها كنخبويين غير مكترثين بحياة الفقراء وكعملاء لأجهزة وشركات تُضمر الشر للعالم بأسره، في حين تتحدث استطلاعات الرأي عن نسب تزيد في بعض البلدان على خمسين في المائة لرافضي تلقي اللقاح الحالي.
وما نشهد اليوم من حملات يبلغ أكثرها مبلغ الهذيان المَرضي ضد اللقاح، هو استمرار لهذيان الشعبويات وسياسات الهوية والانعزال وكره الأجانب. وإذا خصص باحث بعض الوقت لتتبع مواقف الحكومات والأحزاب والقوى السياسية، سيعثر على خط واحد ينتظم فيه اليمين الأبيض المتطرف في الولايات المتحدة والمجر والبرازيل ووصولاً إلى لبنان.
لقد اتّحد هؤلاء في مواقفهم الاجتماعية والسياسية قبل أن يجدوا أنفسهم في خندق واحد ضد اللقاح. الأفدح أن تصوراتهم – الواحدة أيضاً – للحلول تتلخص بإلقاء اللوم على الآخرين: على اللاجئين، والعمال الأجانب، والمنظمات غير الحكومية، وقوى غامضة تسعى للسيطرة على العالم ابتداءً من سلب أصحاب هذه الآراء خصوصياتهم وتفوقهم العرقي والحضاري والثقافي أو استتباعهم لحكم عالمي شمولي تقوده حفنة من أصحاب المليارات الذين لم نعرف كيف انتقلوا من صف أصحاب السلطات إلى صف العاملين على تدميرها... بكلمات ثانية، لا حلول على جداول أعمال هؤلاء، لا مخارج من الأزمات إلا بالهروب من علاجها. المرض مثله مثل الهجرة والتعدد العرقي والحريات الفردية والانفتاح على العالم، مجرد خطة شيطانية أعدها «آخرون» التقوا في غرف مظلمة ورسموا مصير شعوب الأرض المستسلمة لمصائرها من دون أن يكون لناس القرن الحادي والعشرين أي قدرة على الاختيار بين الخطأ والصواب، بين العلاج والمرض، بين الخضوع لطغمة شريرة فاسدة وبين العيش الكريم.
على هذه الخلفية تظهر سمة مَن يعارض اللقاح، ليس من باب الشك العلمي الضروري، ولكن من منطلق تعميم تصوره عن العالم ومستقبله الذي يريده على شكله وصورته. عالم خائف محاصَر بالكارثة البيئية والكراهية للآخر وضيق الأفق والجهل ويكون فيه التلاعب بالفقراء والبسطاء عنواناً لبسط هيمنة أكثر ظلامية وجوراً مما يحذّرون منه.
شركات الأدوية ليست ملائكة همّها القضاء على معاناة المرضى، والحكومات لن تتخلى عن نوازع السيطرة الأصيلة فيها بغضّ النظر عن موقفها من اللقاح، لكن التفرغ لنشر الخزعبلات والخرافات يصب في نهاية المطاف في مصلحة تعزيز الأطماع بالربح السريع وبالتفلت من الرقابة القانونية والشعبية. بذلك يخدم مناهضو التلقيح أعداءهم المزعومين ويجعلون نبوءاتهم تحقق ذاتها بإغراق الحيز العام بمقولات غير قابلة للتدقيق العلمي ولا ينفع معها حوار أو شرح.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مناهضة اللقاح نبوءات تحقق ذاتها مناهضة اللقاح نبوءات تحقق ذاتها



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon