توقيت القاهرة المحلي 05:30:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الموجة الثورية الثانية تصيب لبنان

  مصر اليوم -

الموجة الثورية الثانية تصيب لبنان

بقلم :حسام عيتاني

شهد لبنان في 2011 عدداً من المظاهرات التي رفعت شعار «إسقاط النظام الطائفي» وجرت بتأثير من الثورات العربية التي بدأت في تونس. لم تعمر المحاولة هذه طويلاً؛ إذ سرعان ما دبت الخلافات بين المنظمين والمتظاهرين حول معنى تحركهم والهدف السياسي من ورائه.
في 2015، اندلعت أزمة النفايات بعد إقفال المطمر الكبير الذي استُنفدت قدرته على الاستيعاب وبات بمثابة الكارثة البيئية للمناطق المجاورة له. تراكم النفايات في الشوارع وصراع الشركات المرتبطة بالقيادات السياسية على تقاسم «غنيمة» صفقة رفع النفايات، أطلق شرارة حراك واسع استمر شهراً ونيفاً، ثم خبا وهجه بعد اختراقه من القوى السياسية وإغراقه في جدالات عقيمة تتجاوز الأفق الذي حاول الوصول إليه في المقام الأول، وضحالة كفاءة المجموعات التي تصدت لقيادته.
فشل محاولتي تغيير النظام أو على الأقل تعديل سلوكه، في الشارع، خلّف إحباطاً عميقاً بين الناشطين في المجتمع المدني الذين اعتقد بعضهم لوهلة أنه قادر على تقديم بديل عن الطبقة السياسية الفاسدة. ترافق الإحباط هذا مع ارتفاع صاروخي في مستويات الفساد وصرف النفوذ والاعتداء على المال العام. وتحولت هذه الممارسات إلى ما يشبه الوباء بعد انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية وتولي صهره، وزير الخارجية جبران باسيل، الإدارة اليومية للملفات الكبرى في الشؤون الداخلية والخارجية والاقتصادية، محجّماً كل مؤسسات الدولة وفارضاً عليها الاستجابة لتوجهاته التي بدت كقدر لا يُردّ استناداً إلى قرابته من رئيس الجمهورية من جهة وإلى حيازته رضا «حزب الله» الذي بات أكثر إصراراً بعد إعادة العقوبات الأميركية على إيران، على عدم ترك أي شيء للصدف أو خارج رقابته الدقيقة للحياة اللبنانية العامة.
لا شك في أن إخفاق الموجة الأولى من الثورات العربية، خصوصاً في سوريا، كرّس انطباعاً لدى الطبقة الحاكمة في لبنان، بل بين شرائح واسعة من المحللين والمعنيين في الشأن العام، أن لبنان بات في منأى عن أي تغيير تفرضه القواعد الاجتماعية والفئات المهمشة والمتضررة من تقاسم غنائم الدولة. وساد اعتقاد أن لبنان قد دخل العصر الإيراني من باب تحكم «حزب الله» بالمفاصل الرئيسة للدولة في الأمن والدفاع وإلحاقه بمنظومة التحايل على العقوبات الدولية المفروضة على نظام بشار الأسد؛ وهو ما حمّل الاقتصاد المبتلى أصلاً بالركود، أعباء لا قِبل له بها، ساهمت بين عوامل أخرى في جذب الاقتصاد اللبناني إلى هاوية لم يعرفها منذ نهاية الحرب الأهلية.
الانفلات هذا من كل رقابة أو مساءلة واستباحة حقوق المواطنين، وإظهار الاحتقار لهم، والازدراء بمعاناتهم من خلال استعراض مظاهر الثراء الذي جمعه أصحابه من الرشى والتزوير، وبيع أملاك الدولة وتسخيرها لغاياتهم الخاصة، ولّد نقمة لدى أجيال من اللبنانيين لم تعرف سوى الوعود الفارغة والقضايا المصطنعة، والخطابة الجوفاء في ظل أزمات تسد إمكان تحقيق الطموحات الفردية للشباب كالحصول على عمل وتكوين أسرة، وخصوصاً الشعور بالانتماء إلى ما يتجاوز الهوية الطائفية الضيقة. في الوقت ذاته، كانت فكرة الفوات الكبير الذي يعيشه لبنان مقارنة مع دول مجاورة، عربية وغير عربية، تسيطر على آراء المواطنين المنخرطين في كل أنواع التواصل الاجتماعي والاطلاع الإعلامي وحركة الانتقال والسفر؛ ما جعل المقارنة بين تدهور حالهم وتقدم غيرهم حاضرة في كل الأحاديث.
ويصعب الجزم بما إذا كانت الموجة الثانية من الثورات العربية التي شملت الجزائر والسودان وأصاب بعض رذاذها العراق، قد سرّعت وتيرة المقارنات وفاقمت الإحساس بالهوان والذل على أيدي سياسيين لا يتورعون عن اللعب بالمشاعر الطائفية والسير على حافة الحرب الأهلية قبل أن يعقدوا اتفاقيات الشراكة بين بعضهم لتحسين حصصهم من نهب المال العام.
بيد أن اللبنانيين فاجأوا أنفسهم ليل 17 أكتوبر (تشرين الأول) بعد انتشار الخبر عن عزم الحكومة على فرض ضريبة على خدمة «واتساب» التي تشكل متنفساً للتواصل بين المواطنين وبديلاً عن رسوم الهاتف الخلوي الباهظة. شكّل التوجه لفرض الضريبة الجديدة تأكيداً على النهج الاعتباطي في الجباية التي تصيب الفئات الأفقر وعلى تمادي المجموعة الحاكمة في انفصالها عن واقع أكثرية اللبنانيين المصابة بالبطالة وضيق ذات اليد والمقتربة من الانهيار الاقتصادي الذي تتحمل مسؤوليته دولة فاشلة وطبقة سياسية فاسدة وشحيحة الأفكار والخيال والأخلاق.
وتقدم الحالات اللبنانية والجزائرية والسودانية والعراقية قرائن غنية بالدلالات على عمق التحولات التي تشهدها المجتمعات العربية والفئات الشابة منها الرافضة لأشكال الاستغلال والقمع والرياء التي دأبت عليها الحكومات منذ عقود مديدة بذرائع مواجهة العدو الصهيوني والظروف القاهرة والصراعات الداخلية، ناهيك عن شعارات تبين زيفها وخواؤها من كل معنى.
لا يعني ذلك أن الطريق أمام اللبنانيين أصبحت فجأة معبدة بالورد، بل إن العكس هو الأقرب إلى الصواب. فالنظام وسدنته لن يوفروا أسلوباً أو طريقة للحيلولة دون تقديم تنازلات تحد من امتيازاتهم غير المشروعة إلا وسيستخدمونه لإرهاب المتظاهرين وإعادتهم إلى حظائر الطوائف المتناحرة. فالمعركة التي تنتظر المطالبين بالتغيير في لبنان قاسية، لكنها لا تخلو من فرص الربح.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الموجة الثورية الثانية تصيب لبنان الموجة الثورية الثانية تصيب لبنان



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon