توقيت القاهرة المحلي 16:08:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

رحيل شيراك وتبدُّل أصدقاء لبنان

  مصر اليوم -

رحيل شيراك وتبدُّل أصدقاء لبنان

بقلم : حسام عيتاني

حريٌّ برحيل الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك، أن ينبّه اللبنانيين إلى خسارتهم المتزايدة لأصدقائهم في العالم وإلى الدور الكبير الذي أدّته «الصداقة» في توفير قدر ملموس من الحماية والمصالح للبلد الذي يعيش حالياً أحد أسوأ فصول تاريخه الحديث.
ليس المقصود هنا الصداقة الشخصية التي قد تجمع بين مسؤولين من بلدين مختلفين فيوظفانها للخدمة العامة، على ما يُقال عن الصداقة التي جمعت شيراك برئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري، بل عن حاجة لبنان ذي التركيبة السياسية والاقتصادية الهشة والموقع الجيوسياسي المضطرب إلى أصدقاء حقيقيين يقفون إلى جانبه في أوقات الأزمات.
وأدرك مؤسسو لبنان منذ اليوم الأول لقيامه نقاط ضعفه وسهولة تلاعب القوى الخارجية به واستخدام بنيته الطائفية القلقة في صراعات أكبر منه وكساحة حروب إقليمية ودولية. ويجد الباحث في كتابات شخصيات مثل ميشال شيحا اهتماماً بفكرة صداقة لبنان مع الدول الكبرى على الرغم من حصر الرجل فهمه للصداقة في المكاسب المباشرة والسريعة التي يحق للبنانيين أن يجنوها من «صداقات» هي - بهذا المعنى - أقرب إلى الصفقات.
ولا مفر من الاعتراف بأن السلطات اللبنانية لجأت إلى استخدام انتهازي للصداقات التي أقامها مسؤولون رسميون وأكاديميون وسياسيون من مشارب شتى مع الخارج. ويؤخذ على لبنان، على سبيل المثال، أنه استفاد – بين الأربعينات والسبعينات من القرن الماضي - من علاقاته العربية لتحقيق ازدهار اقتصادي في الوقت الذي كان يرفض فيه المشاركة في العمل العربي الذي يتناول القضية الفلسطينية بذريعة ضعف قوته العسكرية وعدم قدرته على الدفاع عن نفسه في حال تعرض لعدوان إسرائيلي. في المقابل، لا يقل صحة القول إن لبنان تعرض لتدمير شبه منهجي يرجع بعض أسبابه إلى تبنيه سياسة انفتاح وحرية نسبية فرضتها توازناته الداخلية (وليست زجليات حب اللبناني للحرية) وضآلة رقعته الجغرافية وموارده الطبيعية.
لكن حتى هذا الفهم الأداتي - الانتهازي للصداقة ولضرورة الانفتاح لبلد له ما للبنان من مقومات خفيفة الوزن على الساحة الدولية، يتعرض منذ أعوام لهجوم عنيف يدفع بلبنان إلى المزيد من العزلة العربية ويضعه في مواجهة حصار دولي محكم. عملية تفكيك صداقات لبنان العربية والدولية تصدر من فقر الخيال الذي صاغ السؤال عن الموقع الذي يجب أن يحتله لبنان المرموز إليه بعاصمته بيروت: «هانوي أو هونغ كونغ»؟ طُرح هذا السؤال في التسعينات عندما تعارضت للمرة الأولى مقتضيات إعادة الإعمار (بكل علّاتها وسلبياتها) بعد الحرب الأهلية، مع ضرورات متابعة المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الإسرائيلي الذي كان يحتفظ بجزء من الأراضي اللبنانية. المفارقة أن اختيار «هانوي» كردٍّ على السؤال كان اضطرارياً، وبعد فشل إعادة الإعمار كمسار سياسي - اقتصادي لا كعملية هندسية تشمل بناء المطار والطرق السريعة ووسط العاصمة، فحسب.
ولئن كان أصدقاء لبنان الجدد، كبشار الأسد وقاسم سليماني ومن يشبههما، ليسوا من النوع الذي تفتخر أي دولة بصداقتهم، فإن المشكلة العميقة في هذه الصداقات الجديدة هي أنها لا تقدم شيئاً للبنان بل تحمّله أعباء هو في غنى عنها. عليه يكون اللبنانيون قد خسروا أصدقاءهم التقليديين في العالم العربي والغرب ولم يقيموا في المقابل منظومة من الصداقات التي توفر له الظهير القوي في زمن تتفاقم صعوباته وتحدياته.
من ناحية أخرى، إذا استقر رأي أكثرية اللبنانيين على أن «محور المقاومة» هو المكان الأنسب لهم ولمصالحهم، فلا بد من الانتباه إلى أن ذلك يجب أن يترافق مع تغييرات جذرية في بنى الاقتصاد والسياسة والتعليم في لبنان حتى تتلاءم مع الوظائف المستجدة في سياق المواجهة مع الأصدقاء السابقين. بكلمات ثانية، ما من داعٍ لحكم مسبق يستند إلى القيمة المتخيلة لمن هم الأصدقاء الأنسب للبنان، بل يجب أن يوضع كلٌّ من الخيارين على ميزان المصالح الوطنية ورفاهة المواطنين. فإضفاء العقلانية على السياسة شرط شارط للخروج من سخونة الخطابة والابتعاد عن الرذاذ المتطاير من أفواه الخطباء محروقي الأعصاب نحو تقييم نفعي - ربما - للصداقة التي قد تكون مبدأ لا يقل أهمية عن مبادئ الخطباء المفوّهين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رحيل شيراك وتبدُّل أصدقاء لبنان رحيل شيراك وتبدُّل أصدقاء لبنان



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon