محمود مسلم
أعتقد أن التعامل مع رجال الأعمال، أو بمعنى أدق الرهان عليهم لدعم مسيرة التقدم، يعتبر من الملفات الصعبة على مائدة المشير عبدالفتاح السيسى، فالرجل حاول معهم خلال حملته الانتخابية أن يشرح لهم طبيعة التحديات ويدعوهم صراحة للتنازل عن بعض ثرواتهم لبناء مصر الجديدة، لكن أحداً لم يستجِب، وللأسف تحولت المعركة على الرأى العام، وانهارت فيها الصورة الذهنية لرجال الأعمال أكثر، وبدلاً من أن يتكاتفوا ليقدموا مبلغاً كبيراً لإنقاذ الوطن اتفقوا على عدم الدفع.
حاول «السيسى» مرة أخرى أن يفتح لهم باباً للمشاركة أكثر كرامة من خلال فتح حساب «تحيا مصر»، وقدم القدوة بأن تبرع بنصف ثروته ومرتبه، فاستجاب قليلون بينما راح آخرون يتفلسفون، أما الأغلبية فاختفوا، فى ظروف غامضة، وكأن الأمر لا يعنيهم، مع أن أى مدقق يعلم أن المقصود بحساب «تحيا مصر» هم رجال الأعمال وليس الفقراء. ومع ذلك فقد تبارى الغلابة فى التبرع، لكن أموالهم لن تقدم شيئاً.
كل ذلك والرأى العام يعتقد أن هناك معركة بين «السيسى» ورجال الأعمال، والبعض بنى سيناريوهات غير واقعية وتوقعات بأن يفتح الرئيس الجديد ملفات رجال الأعمال، خاصة الذين أداروا ظهورهم لمصر فى وقت الحاجة خلال مرحلة صعبة، وبدأ آخرون يحلمون بالتأميم، وآخرون بالمطاردة، مع أوهام بأن ذلك الأمر سيزيد من شعبية الرئيس وسيسعد الفقراء.. وبدأ البعض فى دغدغة مشاعر البسطاء.. بنفس الطريقة التى تم التعامل بها مع ملف استرداد الأموال، ونسى الجميع أن المناخ أصبح مختلفاً، وأن أية إجراءات استثنائية إذا كانت ستجلب أموالاً كثيرة فستعقبها خسائر أكبر، كما أن الثوار والإخوان ما بعد 25 يناير قلَّبوا فى كل المخالفات غير القانونية بالحق والباطل لدى معظم رجال الأعمال، وبالتالى لم يتبقَّ سوى القليل الذى قد يجلب مشاكل كثيرة.
حاول «السيسى» مرة أخرى استيعاب رجال الأعمال والرهان على ضميرهم الوطنى خلال منتدى «الأخبار» الاقتصادى منذ أيام وبناء جسور للثقة والاطمئنان معهم تسهم فى دفع عجلة الإنتاج والتنمية، لكن الأهم، من وجهة نظرى، هو تلك المناقشات الفاعلة فى إقرار إجراءات واضحة لتسهيل عمليات الاستثمار بشكل أفضل، ووضع فواصل واضحة بين المال العام واستغلال رجال الأعمال.
كل الرهانات على وطنية رجال الأعمال خاسرة حتى الآن، باستثناء مبادرات وطنية قليلة للأسف.. وبالتالى فليس أمام «السيسى» إلا إظهار قوة الدولة، ليس فى مطاردات رجال الأعمال، ولكن فى وضع قواعد صارمة للتعامل معهم تجذب الاستثمار وتضمن قواعد عادلة، وتحافظ على حقوق الدولة، وأن يكون هامش الربح فى حدود المستويات الدولية دون تصنيفهم بين وطنى وغير وطنى، فالدولة عليها أن تعلن قواعدها للجميع دون حملات تشويه، فرجل الأعمال فى أى دولة هدفه الأول الربح، و«هذا حقه»، بشرط أن يمنح الدولة حقوقها بالطبع حتى يستفيد الجميع ويعيشوا فى سلام.. الوطن.. الفقراء.. رجال الأعمال!!