محمود مسلم
«هوّ عبدالله كمال مات فعلاً؟»، هكذا استقبلت مكالمة صديقى محمد البرغوثى، بعد صلاة الجمعة مباشرة، واستكمل: عندى خبر وعايز اتأكد.. على الفور اتصلت بصديقى هيثم دبور، مدير تحرير موقع «دوت مصر»، فصدمنى بتأكيد الخبر، لكن وفاة عبدالله لم تكن بالنسبة لى مجرد خبر، بل صدمة فى فقد صديق عزيز من أشجع وأوضح وأشرف من قابلت فى الوسط الصحفى، فتجده معك فى الأفراح أول المهنئين، وفى الأحزان أول المعزين، لا يفوته واجب ولا مكالمة مهما زادت انشغالاته أو إحباطاته.
أشفقت عليه أيام الإخوان من مهاجمتهم المستمرة له، فيرد: عندك معلومة عن شىء يُدبر ضدى؟ فأقول له: هذا الأمر لا يحتاج معلومة، أنت مستهدَف منهم ولديك قضية فى «الكسب غير المشروع»، وتعرف أن انحطاطهم الأخلاقى ليس له سقف، كما أن علاقتك بالفريق أحمد شفيق من المؤكد أنها تزعجهم.. فيرد: والبلد لما تضيع على إيديهم؟! فأعقّب عليه: بلاش انت!! فيقول: أنت تعرف أننى لم أحصل على أى مال حرام، ثم يشكو: إن جهاز الكسب غير المشروع رفع الحظر على حساباتى فى البنوك ولكن البنك التابع له لا ينفذ حتى الآن، هل تعرف أحداً هناك؟
لقد كانت ذمة عبدالله المالية ليست محل شك بالنسبة لى، وقبل قرار جهاز الكسب غير المشروع ببراءته، فقد دخل معارك ضد الفساد دفع ثمنها من صحته وقلبه المريض، لدرجة أن بعض أقاربه الذين أعرفهم كانوا يطلبون منى وساطة لإنهاء بعض متعلقاتهم بينما كان هو رئيساً لتحرير «روز اليوسف»، وعندما أبلغته رد: ما أخوضه من معارك يمنعنى من تقديم طلب لمسئول من أقاربى حتى لو كان حقاً أو شكوى.
يملك رحمه الله من الكبرياء والشموخ الكثير، حتى فى أحلك لحظات ضعفه يقاوم ويتعامل مع الواقع، لا يهرب منه.. تغيرت الدنيا أمامه مرات رغم إعلانه استعداده للانتقال إلى صفوف المعارضة.. فمن ناس يتوددون إليه إلى ناس يزايدون عليه، سواء من تيّاره أو من المعارضة.. يتحسر، ويتابع، لكنه لا يعاتب ولا يحكى.. وإذا ذكّره أحد بهؤلاء يضحك بصوت عال ويقفز على الواقع الأليم.
على المستوى المهنى، فهو دؤوب يبحث طوال الوقت عن المعلومة وتحليلها حتى لو لم يقرأها سوى عدة آلاف على صفحته بـ«الفيس بوك» أو لو تطاول عليه البعض، يملك من الدقة وبلاغة اللغة والقدرة على الوصول للمعلومات والنتائج المنطقية، ما يحسده عليه أى صحفى.. استطاع تخريج دفعة كبيرة من الشباب فى «روزاليوسف» قاموا بغزوات على الصحف الأخرى والفضائيات بعد رحيله من روزا.. يملك علاقات إنسانية ببشر لا يمكن لأحد أن يتخيلهم.. لديه قدرة هائلة على اكتشاف المواهب وتشجيعها ولو بالقسوة أحياناً.. يؤمن بأن الجهد أكبر داعم للموهبة.. وكان من أوائل جيله ممارسةً لكل التكنولوجيا الحديثة.. وكان مشهداً غير مألوف أن تدخل عليه مقهى «فيينا» بشارع قصر العينى فتجده يكتب على «اللاب توب» ومنشغلاً فى ذات الوقت بـ«الشيشة».. ظل صامداً يدافع عن ثوابت الدولة المصرية، لم يفقد ثقته فيها ولا إيمانه بها حتى من لو لم يكن فى صدارة المشهد.. لم ينهزم أو يشتكِ، فقد كانت روح المقاومة عالية، لكن قلبه لم يتحمل معاركه.. رحمك الله يا أبوزينة وعاليا!!