بقلم - محمود مسلم
حال مصر يشبه كثيراً وضع منتخبها لكرة القدم فى كأس العالم.. قدرات محدودة، وأحلام بلا سقف، نتيجة طبيعية للانفتاح على الخارج، وغياب الوعى، ونقص الخبراء الذين يملكون شجاعة عدم العزف على عواطف الجماهير، فإذا كان من حق الناس أن تحلم، وأن تطلق العنان لخيالها، فواجبٌ على النخبة ترشيد الأحلام، سواء فى السياسة، أو كرة القدم، أو الاقتصاد. فالمصريون مصابون بما يمكن أن يسمى «لعنة الفرحة»، فإذا وصلنا إلى كأس العالم بعد 28 عاماً من الغياب، فنحلم بالوصول إلى دور الـ16، وبعضنا وسَّع خياله للوصول إلى الدور النهائى، بينما فريق مثل المغرب، أفضل فنيّاً من مصر، وصل إلى كأس العالم 5 مرات فى تاريخه، لم يتجاوز الدور الأول.. يقوم المصريون بثورة يناير، فيعتقدون أن كل المشاكل تم حلها، وأن العالم منبهر بما تم وسيغير سياساته، ويطالبون بأن نكون مثل أمريكا وفرنسا والصين فى عدة أيام.. ثم يقومون بثورة 30 يونيو، فيطمحون إلى طفرة اقتصادية ليس لها مقدمات على أرض الواقع. وأتذكر أن المنتخب المصرى حينما ذهب إلى كأس العالم 1990 كانت الطموحات أن يتخطى الدور الأول، بل وعندما نظمت مصر دورة الألعاب الأفريقية بجدارة، فى بداية تسعينات القرن الماضى، بدأ التفكير يداعب المسئولين لتنظيم الأولمبياد، أو كأس العالم، دون أى دراسة للواقع أو القدرات.
أجريت حواراً مع الخبير الاقتصادى د.حازم الببلاوى، رئيس الوزراء الأسبق، مع زميلى سيد جبيل، قبل توليه الحكومة أيام عهد «الإخوان»، وسألته: هل مصر دولة غنية؟، فردَّ بوضوح: لا.. بينما كل خبراء الاقتصاد على برامج «التوك شو» ينظّرون بأن مصر دولة غنية، ويقدمون أفكاراً ساذجة لحل المشكلة الاقتصادية التى تمر بها مصر.
تبسيط الأمور، واللعب بعواطف البسطاء، وتوسيع مستوى الأحلام دون دراسة القدرات والواقع، جريمة مكتملة الأركان، وتتكرر فى جميع المجالات.. من حق الشعب أن يحلم ويملك الأمل، لكن بعد دراسة الواقع والقدرات والتجارب المشابهة، وأيضاً بحث تجارب الخارج والاستفادة منها، أما الاعتقاد بأننا نتقدم سياسياً واقتصادياً واجتماعياً بالصوت العالى والتشجيع والحماس فهو أكذوبة ووهم.. البلاد الأخرى تقدمت بالبحث العلمى، وحسن إدارة الموارد، والأهم أنهم وقفوا على مزاياهم وأخطائهم وأحسنوا تشخيص أمراضهم بدقة.
كل يوم يتأكد فى مصر أن النجاح فردى والفشل مؤسسى، فانظروا إلى الوزراء الذين تم تعيينهم منذ أيام، وكمّ قرارات التغيير التى أصدروها، وأتذكر أيضاً عندما صعدنا إلى كأس العالم عام 1990، عندما كان يشارك منتخبان فقط من أفريقيا فى البطولة، لم نبنِ على ما تم من إنجاز، بدليل عدم وصولنا مرة أخرى على مدار 28 عاماً رغم زيادة عدد المنتخبات الأفريقية المشاركة فى كأس العالم إلى 5 منتخبات، والأغرب أننا نفتقد كيفية إدارة معسكر اللاعبين، فما حدث فى فندق روسيا من تسيّب تكرر من قبل فى كل معسكرات الفريق، سواء فى برج العرب أو الدول الأفريقية، حيث لم يستوعب أحد فى مصر حتى الآن أن كرة القدم صناعة وإدارة واحتراف، ولا يمكن أن تعتمد فقط على مهارات اللاعبين.
صدمات الفرح والحزن عند المصريين أصبحت كثيرة، وتحتاج منا جميعاً إلى وقفة للتشخيص، فالمتربصون بهذا البلد لن يشيعوا الإحباط فقط للتدمير، لكن التدمير أيضاً يتم بنشر الطموح الجامح البعيد عن الواقع، فيدخل الجميع فى إحباط مع كل صدمة نتيجة لغياب المنطق وزيادة الفجوة فى المجتمع بين الواقع والمأمول.. مصر تحتاج أن تعلّم أبناءها كيف يفكرون بشكل علمى، وكيف يحلمون أيضاً!!
نقلا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع