بقلم - محمود مسلم
غضب الناس من رفع الدعم عن المحروقات، رغم أن الحكومة تفادت كل الإجراءات الشكلية التى وقعت فيها المرات السابقة، وأحسنت عملية الإخراج، فزادت المرتبات والمعاشات قبل قرارات رفع الدعم، وراعت التوقيت فتجنّبت إصداره قبل شهر رمضان المعظم، أو قبل عيد الفطر المبارك، ونفذت الزيادة ثانى أيام العيد، بعد أن سافر مَن سافر وعاد مَن عاد، كما لا يمكن لأحد أن يتحجج بأن رفع الدعم قد جاء دون مقدمات، أو مفاجأة، حيث إن الجميع منذ أكثر من شهر يتوقع الزيادة وينتظرها، بمعنى آخر فإن الحكومة أحسنت إخراج هذه العملية، وتفادت كل الانتقادات الشكلية التى كان البعض يوجّهها لها فى المرات السابقة، بل والأهم فإن الإجراءات الحكومية الخاصة بالسيطرة على مواقف السيارات كانت سريعة ومنظَّمة، ومع ذلك فإن غضب الناس كان حاداً، لأن المشكلة ببساطة أنه لا أحد يريد أى زيادة على مصروفاته مهما كان دخله، وبدأت موجة أخرى من أسئلة الجدل غير المفيد، مثل: لماذا يتحمل هذا الجيل وحده ضريبة عملية الإصلاح الاقتصادى؟ أو لماذا لم تستمر الأسعار كما هى؟ بالإضافة إلى اقتراحات من عينة أن القضاء على الفساد كفيل بضبط ميزانية الدولة، أو ضرورة تطبيق الضرائب التصاعدية، أو تحميل الأغنياء ضريبة الإصلاح.
كان بإمكان الرئيس السيسى أن «يسقّع» الملفات، ويقضى السنوات الثمانى يتحدث عن المخاطر، وهى كثيرة، أو المؤامرات الموجودة بالفعل، ويكتفى بتحقيق الأمن، وبمواجهة تنظيم الإخوان، ويحافظ على شعبيته التى اكتسبها من دوره فى حماية ثورة الشعب ونزاهته وإخلاصه، لكنه قرر «تحدى التحدى»، كما وصفته المرحومة الإعلامية صفاء حجازى، ولأنه مخلص فقد تجاوز أزمات عديدة، لأن الشعب يعلم أن الرجل لا يحقق أى مصالح شخصية من منصبه أو قراراته، وأنه لا ينحاز إلّا للدولة المصرية، وليس له «شلة» من رجال الأعمال أو غيرهم، بل الواقع يقول: إن المستثمرين يدفعون كثيراً مع هذا النظام، كما أن مواجهة الفساد تسير بشكل فاعل ومؤثر، وهناك إرادة سياسية لاقتلاعه، وأعتقد أن خزينة الدولة استردت كثيراً من المبالغ والأراضى المنهوبة، وحمت أصولاً وأموالاً أخرى من النهب.
أما مَن يتحدثون عن تأجيل الإصلاح، فالكل يعلم أنه لا يوجد نظام يريد -أو يهدف إلى- زيادة الأسعار، لكن ميزانية الدولة لم تعُد تتحمل أكثر من ذلك، فى ظل سنوات صعبة أرهقتها، خاصة بعد ثورة 25 يناير 2011، وأنه لم يعُد هناك بديل مطروح، سواء الحصول على إعانات من دول الخليج، وهو أمر لن يتناسب مع ظروف هذه الدول الاقتصادية حالياً، ولا مع استقلال القرار الوطنى المصرى، فأى مطالبات بمنح جديدة ستقابلها بالطبع اقتراحات بدخول الجيش المصرى فى حرب اليمن، أو الدخول عسكرياً فى سوريا.
يعلم الجميع أن الرئيس السادات كان يسعى إلى تحرير الدعم، لكنه قوبل بمظاهرات حاشدة وغاضبة، جعلت الرئيس «مبارك» بعدها يخشى تكرار السيناريو، وإن كان نظامه كثيراً ما تحدث عن ضرورة تحرير الدعم، وكانوا يخططون ويتمنون ذلك، لكن الظروف لم تساعدهم، أما الرئيس السيسى فلم يعد يملك رفاهية الانتظار، وظروفه كانت أفضل: التفاف شعبى كبير.. وعى متزايد لدى المصريين.. الظروف المحيطة فى البلاد المجاورة.. شجاعة وجراءة فى اتخاذ القرار.
عملية الإصلاح الاقتصادى لم تنتهِ بعد، رغم آلامها وصعوبتها، وبالتالى يجب على الرئيس إلزام الحكومة بحل 3 مشكلات أساسية من أجل تخفيف العبء على المواطن، وتحديد جدول زمنى لإنهائها، هى: الأولى دمج الاقتصاد غير الرسمى من أجل الاستفادة من الضرائب والرسوم، والثانية تحديد أعداد وأسماء المواطنين الذين يحتاجون إلى دعم نقدى لإيقاف عملية المتاجرة بالفقراء، والثالثة تطوير آليات الرقابة على الأسواق لوقف عمليات الجشع والسمسرة التى يدفع ثمنها البسطاء.
أستغرب أن مَن ينتقدون عملية الإصلاح الاقتصادى وتحرير الدعم هم أنفسهم الذين ينتقدون عدم التطوير الشامل فى مجالَى التعليم والصحة.. والجميع يعلم ميزانية الدولة، وبالتالى ليس هناك مجال لتطويرها وتنميتها سوى بتحرير الدعم وترشيده، للإنفاق على المشروعات القومية والتعليم والصحة، وإلا ستظل مصر كما هى «محلك سر».. ويعود الناس مرة أخرى يتحدثون عن الجهل الذى انتشر، والأمراض التى أكلت أجساد المصريين.. يجب أن نحدد خيارنا.. أما الحصول على كل شىء فيحتاج إلى معجزات!
نقلا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع