بقلم-محمود مسلم
لا أعتقد أن مصرياً يسافر للخارج، خاصة إلى أوروبا أو أمريكا أو كندا، أو حتى دول شرق آسيا، وبعض الدول العربية، دون أن تطارده آفة المقارنة والانبهار بما يراه هناك. وبالطبع كل مصرى يتمنى أن تنتقل هذه الإيجابيات إلى بلده الذى يعشقه. وحسب الحالة السياسية للمسافر، يتم توظيف الرؤية؛ فإذا كان محتقناً من النظام السياسى الحاكم، فإنه يلعن ويسب ويحمّله مسئولية الفارق الحضارى، وإذا كان متعاطفاً مع النظام، أو غير مهتم، فإنه يستطيع تقدير أسباب الفوارق فيما حدث من تراكم وضعف الإمكانيات، والبعض منهم يتجه إلى تحميل المجتمع، بقيمه وسلوكياته، مسئولية الفجوة.. وغالباً ما تتوه الاستفادة الحقيقية من تقدم الخارج بين الرؤيتين.
حتى الشخصيات المهاجرة، نتعامل معهم بالمنطقين، فهناك من يرى أنهم ضحية النظام السياسى، لأنه المسئول الأول عن توفير المناخ المناسب لهم، وآخرون يرون أنهم نتاج لأنظمة متراكمة أو لمنظومة متكاملة من الفشل المجتمعى والسياسى والاقتصادى، لكنّ الفريقين يجتمعان على النظر إليهم بـ«ماذا قدموا للوطن الأم؟»، ويصممون طوال الوقت على تقييمهم من هذا المنظور فقط لا غير، ونسوا -أو تناسوا- أنهم أصبح لهم وطن ثانٍ حتى لو كان أقل فى الحب والارتباط من مصر، خاصة أن الوطن الثانى سبب مباشر فى نجاحهم ونبوغهم.. ذلك التقييم ينطبق على العلماء ورجال الأعمال، وأيضاً على لاعبى كرة القدم، وأشهرهم النجم محمد صلاح.
قليلون من يتجنبون الجدل الضائع، ويحاولون النظر إلى الأمور من خلال رؤية شاملة دون لوم أو تهويل، بغرض الاستفادة فقط. ورغم أن مصر على الطريق الصحيح للاستفادة من أبنائها وعلمائها فى الخارج، وهناك جهد حقيقى تبذله السفيرة نبيلة مكرم وزيرة الهجرة فى هذا الاتجاه، لكن تبقى الاستفادة الفنية تحتاج إلى جهد كبير من وزارات أخرى، والأهم التعامل مع هؤلاء المصريين بثقافة جديدة، لأنهم بالطبع لم يعودوا أسرى للثقافة الوطنية، بل أصبحوا أصحاب ثقافة مختلطة ما بين المصرية والدولة التى يعيشون فيها، حتى لا يحدث مثلما يتم حالياً فى أزمة اللاعب محمد صلاح، الذى يتعامل مع اتحاد كرة قدم من الهواة.
عُدت من كندا بعد جولة فى عدة جامعات هناك بصحبة الأصدقاء علاء ثابت رئيس تحرير «الأهرام»، وعماد حسين رئيس تحرير «الشروق»، ود. مجدى القاضى رئيس مجلس أمناء الجامعة الكندية بالقاهرة. شاهدنا خلال الرحلة كثيراً مما يبهر، سواء على مستوى الشعب أو الحكومة، لكن الدرس الأهم أن مصر تحتاج إلى الكثير لتصل لنهضة هذه الدول، فالتقدم يحتاج إلى إرادة شعب ورؤية حكومة معاً، خاصة أن الحكايات هناك كثيرة، فقد سألت د. علاء عبدالعزيز المصرى رئيس جامعة برنس إدوارد: هل هناك مقر دائم لرئيس الجامعة؟ فأجاب: كان هناك قديماً، لكن الجامعة باعته، لأنه كان عبارة عن 11 غرفة، واستهلاكه فى الكهرباء مرتفع.. مما يدل على أن كل شىء بالحسابات.
أعتقد أيضاً أن سر تفوق هذه الدول هو التعايش بين الأديان، وعدم تضييع الوقت والجهد فى جدل دينى. فقد سألت «د.علاء» أيضاً أثناء جولتنا بالجامعة عن الكنيسة الموجودة داخل مبنى الجامعة، وهل هناك مسجد أيضاً؟ فأشار إلى أن السيدة القائمة على أعمال الكنيسة قررت تخصيص مكان داخلها للمسلمين لأداء صلاتهم. وعندما اشتكى المسلمون، وهم قلة، من وجود الصليب أثناء الصلاة، رفعته على الفور.
أما حكايات وعى الشعب فهى كثيرة، فلا يوجد هناك شرطى لكل مواطن، بل هناك قناعة بالالتزام بالقانون، وثقافة عامة تخاف على الدولة ومنشآتها، ويبحث كل فرد عن ضرائبه، أين أُنفقت وكيف؟
مصر بحاجة إلى نقل تجارب الخارج الجيدة على المستويين الحكومى والشعبى، ويمكن أن يلعب المهاجرون هناك دوراً كبيراً فى هذه المرحلة، ولكن بحسن استثمار طاقاتهم ومراعاة ثقافتهم الجديدة، والأهم عدم متابعة تجارب الخارج بوجهة نظر أحادية، كتوجيه اللوم، سواء للنظام أو الشعب.
نقلا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع