بقلم - محمود مسلم
كل يوم تُثبت الدولة المصرية أن الرهان على الخارج لم يعد ممكناً، وأن تأثير الغرب على القرار المصرى يكاد يتلاشى، لكنّ قليلاً من المعارضين لم يتعلموا الدرس بعد، ولم يتّعظوا من تجربة الإخوان الذين ربطوا كل خطواتهم فى الحكم أو الاحتجاج برضا الأمريكان، فكانوا يسعون بكل الحيل للتودّد إليهم، وحرصوا على إصدار بيانات باللغة الإنجليزية تتناقض تماماً مع ما يتحدثون به فى اللغة العربية، لدرجة أنهم رفضوا فض «رابعة»، لأن التوجيه لم يصدر إليهم من البيت الأبيض، سواء مباشرة أو عبر وسطائهم فى الشرق الأوسط -قطر وتركيا وقتها- بل إن الإخوان تعاملوا مباشرة بعد الفضّ مع قرار «أوباما» بإيقاف مناورات «النجم الساطع» بين الجيشين المصرى والأمريكى، الذى صدر مساء يوم 15 أغسطس 2013، بعد يوم واحد من فض «رابعة»، بأن قاموا بتدبير حريق القاهرة فى 16 أغسطس، حيث نزلوا بالأسلحة على كوبرى 15 مايو وحتى ميدان رمسيس يَقتلون مَن يريدون.
ولا أحد يستطيع أن ينسى ما صرح به مساعد رئيس الجمهورية، الذى رفض ذكر اسمه -فى الأغلب عصام الحداد- لجريدة «الجارديان»، بعد اندلاع ثورة 30 يونيو، حينما قال نصّاً: «مرسى سيظل رئيساً طالما يحظى بدعم أمريكا.. وإن الجيش المصرى لن يكون قادراً على التحرك إلى الأمام دون موافقة أمريكا».
خسر الإخوان الحكم والرهان على أمريكا وذابت حتى بيانات بروتوكولية تطالب بالإفراج عن رئيسهم أو دمجهم فى العملية السياسية.. وانحاز الجيش بكل وطنية كعادته إلى الشعب وثورته، وظلت أمريكا ودول أخرى تمنع وتهدد وتتآمر، ولكن وقفت الدولة المصرية صامدة لا تلين، ولا يشغلها سوى رضا الشعب المصرى، لكنّ المعارضين المصريين لم يستوعبوا الدرس، وما زالوا يراهنون على الخارج، وفقدوا البوصلة فى الفصل بين النظام والدولة، خاصة أن نظام «السيسى» جاء تتويجاً لثورة 30 يونيو، وحافظ على أهم مطالبها، ممثلةً فى استقلال القرار المصرى، أو كما أقسم الرئيس فى مؤتمر «حكاية وطن».. «هَامَةُ مصر عالية.. وقرارنا الوطنى ظل فى كل الظروف مستقلاً 100٪».
وعلى المستوى العملى نرى تنوعاً كبيراً فى العلاقات المصرية مع الخارج، ما بين أمريكا وروسيا والصين وفرنسا وألمانيا وغيرها، بتوازن وندية، وهو ما يحدث أيضاً مع دول المنطقة. كما فشل رهان بعض المعارضين فى إفساد العلاقات مع إيطاليا، والغريب أنهم أقاموا ليلة بالشموع لتأبين «ريجينى»، بينما لم يفعلوها مع شهداء الجيش والشرطة.
لقد حاول البعض استغلال موسم الانتخابات الذى يتسم عادةً بقدر من السيولة والفوضى لضرب نظام «السيسى»، من خلال ما راهنوا عليه من إحراج النظام أمام العالم، بعدما أخفقوا فى ضرب شعبية «السيسى»، وبالطبع لم تستعد المعارضة للانتخابات بشرف ووطنية، بحيث ينظمون صفوفهم ويعدّون الكوادر ويتواصلون مع الناس فى المدن والقرى والنجوع لشرح أخطاء النظام، كما يرونها، ويقدمون برامج بديلة، بل عمدوا إلى الحل الذى اعتقدوا أنه الأسهل، وهو إحراج النظام أمام العالم، من خلال إظهار الانتخابات الرئاسية وكأنها استفتاء، وإعلان المقاطعة لها، بل وتجرأ البعض بإصدار تصريحات عدائية، وراهنوا على أن النظام سيكون فى فترة ضعف، وأن العالم سينتفض للدفاع عنهم، على أساس أن موسم الانتخابات قد بدأ، لكن رهانهم فشل كالعادة، وظهرت الدولة أقوى، لأن النظام ليس على «راسه بطحة» حتى يخشى عديمى الشعبية، أو تلك الدول التى تبحث فقط عن مصالحها ببيان أو إدانة أو غيرهما من وسائل الضغط، لتحقيق مصالح الدول الأخرى، وليس منفعة الشعب المصرى.
الرهان على الخارج من الإخوان أو الأمريكان أو غيرهما يثبت فشله، وأعتقد أن ما حدث فى الأسابيع الأخيرة درس لمن راهنوا على إحراج النظام أمام العالم، ويثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن النظام يقف على أرضية صلبة، وليس كما يتوهّم البعض، وأن الرهان على الشعب المصرى أشرف وأفضل وأكثر وطنية من الرهان على الخارج، فالشعب الذى انتفض ضد الإخوان وعملائهم يستطيع الفرز بين المخلص «أهم سمات السيسى» والخبيث.. ولا عزاء لمن فقدوا البوصلة، وما زالوا يسيرون على خُطى الإخوان ويراهنون على التدخل أو الإحراج الخارجى الذى لم ولن يأتى!
نقلا عن الوطن القاهريه