محمود مسلم
أخطأ د. عصام حجى، المستشار العلمى لرئيس الجمهورية، حينما أعلن رأيه فى العلاج الجديد لأحد ضباط القوات المسلحة، لأنه لم يدرك حتى الآن أنه مسئول فى الدولة، وكان عليه مراجعة المؤسسات أولاً، وأخطأ «حجى» مرة أخرى حينما تحدث بالنيابة عن رئيس الجمهورية المستشار عدلى منصور والمشير عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع، وقال إنهما فوجئا بالاكتشاف الجديد، لكن الغريب أن الاثنين «منصور والسيسى» لم يعلقا، أما الأغرب فتلك الحملة التى طالت كل من تجرأ وانتقد أو أبدى أسئلة حول العلاج الجديد، واعتبارهم كارهين وحاقدين على الجيش المصرى.
أخطأ الجيش، إذا كان الاختراع لم يتأكد من قدرته على العلاج بعد، بأن ترك الأمر لفريق الباحثين يتحدثون باسم الجيش عن اختراع علمى من حق الجميع الاطلاع عليه دون اتهامات باختراق الأمن القومى، فإذا أراد الجيش أن يدخل عالم الطب، وهذا حقه وحق الشعب عليه، فعليه أن يتسع أفق القائمين عليه للانتقادات العلمية وغير العلمية، سواء من الخائفين والمحبين للجيش أو حتى الحاقدين عليه.
وأخطأ الجيش، مرة أخرى إذا كان متأكداً من سلامة وصحة الاختراع، لأن الإخراج والإعلان تم بشكل سيئ ولا يتناسب تماماً مع حجم الحدث وأهميته ولا مكانة المؤسسة العسكرية وقدراتها.. وإذا كانت الحملة على الاختراع طبيعية نظراً لأنه «خارق»، لو ثبت صحته، فإن عرضه لم يكن طبيعياً، وبدلاً من أن تقوم وزارة الدفاع بالحوار مع المختلفين تركتهم لهواجسهم ومن يتهمهم بالجهل أحياناً وبالتآمر فى أحيان أخرى، وهو سلوك معيب وغير مطمئن على المرحلة المقبلة.
جزء كبير من الاختلاف بين المجلس العسكرى الحالى الذى يقوده المشير عبدالفتاح السيسى والمجلس العسكرى السابق الذى قاده المشير حسين طنطاوى يتمثل فى الإعلام والتفاعل مع المجتمع، فقد أصبح للجيش متحدث رسمى صاحب كفاءة، ولا توجد شائعة إلا ويتم الرد عليها، ولا تُطرح قضية إلا ويجرى التفاعل معها فيما يخص الجيش، كما أنه جرى بناء علاقات صحية مع رموز المجتمع استطاعوا من خلالها التعرف عن قرب على هذا الكيان الضخم بقيمه وتقاليده وتحدياته وشموخه، وبالتالى كان يجب أن يحسن الجيش إبراز اختراعه للعالم كله وليس للمصريين فقط، بدلاً من هذا التخبط والتضارب الذى يصل إلى درجة «العته غير العلمى» أحياناً بين أعضاء الفريق البحثى فى الصحف وعلى الشاشات المختلفة.. وإذا كان المتحدث العسكرى العقيد أحمد محمد على يخرج ليتحدث عن العمليات فى سيناء وليس أسد سيناء اللواء أحمد وصفى، فالأولى أن يتم تحديد متحدثين عن هذا الاختراع الجديد، وإذا كان الباحثون قد استغرقوا 22 عاماً، حسبما يرددون، لإنجازه فكان الأولى بالجيش الانتظار 22 ساعة للإعداد للإعلان عنه بدلاً من هذا الإخراج السيئ.
■ لا يمكن أن تنتقل مصر من مرحلة إرهاب الآراء باسم الدين إلى إرهاب المختلفين باسم الجيش.. وإذا كان المشير عبدالفتاح السيسى يتحمل ضغوطاً كثيرة من محبيه تطالبه بحسم ملفات كثيرة مفككة بينما يجيب دائماً بأن دوره وزير دفاع فقط، فإن قصة الاختراع تقع فى نطاق اختصاصه، ولعله يتفق معى أن ما حدث لا يتناسب تماماً مع قيمة الجيش وقدراته، وأن الأمر يحتاج إلى موقف واضح بدلاً من هذا التخبط.. وقبله الاعتراف بخطأ الجيش فى الإخراج!
نقلاً عن "الوطن"