محمود مسلم
خلال أيام قليلة سيعلن المشير عبدالفتاح السيسى استقالته من منصبه كوزير للدفاع وترشحه لرئاسة الجمهورية.. وسينتقل بعدها إلى أخطر مرحلة فى حياته، حيث سيضطر أن يعلن بوضوح عن كافة اختياراته وقناعاته وآرائه، ومعها يبدأ مشوار الخسارة، فكل سياسى سيضمه إلى فريقه سيخسر أمامه الكثيرين ممن يحبون السيسى لكنهم يكرهون من حوله، خاصة أن المجتمع ممزق.. وكل انحياز سيطرحه السيسى لفصيل أو فكرة ستقابله خسارة أخرى للمختلفين أو الرافضين.
سيعيش السيسى أياماً صعبة وهو يرى الإخوان وعملاءهم ينتهكون مصر، وهو بعيد عن صناعة القرار.. وسيضطر للدخول فى صراعات سياسية والتعامل مع كثيرين من المدّعين الذين يعرف هو شخصياً معلومات سلبية عنهم ويعلم أهدافهم وأغراضهم، وسيبتعد عن الجيش الذى من المؤكد أن ثقافة أفراده بعيدة تماماً عن الصراع السياسى واللعب بالكلمات ودغدغة مشاعر الجماهير بعبارات رنانة، كما أن السيسى سيواجه من يغير أولوياته ويدفعه إلى معارك «تافهة» وقضايا «فرعية» بينما اعتاد الرجل على التخطيط الاستراتيجى والعمل فى القضايا الجادة، وأن يحدد «أجندته» بعيداً عن أصحاب الصوت العالى، كما أن كثرة التجاوزات سترغم «السيسى» على الاشتباك بعد أن ظل طوال حياته يتحدث وقتما يشاء وفيما يريد ويتجنب تلك الموضوعات التى تثير اللغط.
سيضطر السيسى للحديث فى الإعلام عن كل شىء، ما يحبه وما يكرهه، وسيُستَخدم كلامه للهجوم عليه مثلما حدث مؤخراً فى دعوته للناس بشد الحزام والذهاب للجامعات سيراً على الأقدام.. كما سيضطر المشير وحملته للرد على كل الشائعات التى ستطوله، سواء من الإخوان أو «نحانيح النخبة» أو المرشحين الآخرين، والتى ستصل إلى مدى غير مسبوق، فإذا كان البعض يتحرج الآن من التطاول على قائد الجيش ومنقذ مصر من الاستعمار الإخوانى، فالوضع الجديد سيكون مختلفاً، ومهما كان اسم متحدث حملته الإعلامى فلن يكون فى مصداقية وقدسية العقيد أحمد على بصفته متحدثاً رسمياً للجيش بما له من مساحة كبيرة فى وجدان الإعلاميين والشعب المصرى.
السيسى هو خيار شعب، وبالتالى فإن الكثيرين يراهنون عليه كمشروع للشعب المصرى وتتويج لثورة 30 يونيو، وكمرشح ضرورة لإنقاذ البلاد من الإخوان وحمايتها من المؤامرات الخارجية فى توقيت صعب.. وهناك كثيرون يوجهون نصائحهم وتجاربهم ويشعرون بأنه جزء منهم.. وبالتالى فطموحات الناس كبيرة ومطالبهم كثيرة، وبما أن البشر ليسوا ملائكة، فقط، فهناك من يبحث عن مصالحه ويسعى لتحقيقها عبر التودد إلى الرئيس المقبل المضمون، بدلاً من بعض رجال الأعمال الذين وزعوا تأييدهم فى الانتخابات الماضية بين أكثر من مرشح بل إن بعض الأسر قسموا أنفسهم بحيث يكون كل فرد مع مرشح له فرص فى الفوز، أما الآن فالوضع مختلف والكل ألقى بكل ثقله على السيسى.. وإذا كان المشير ليس بحاجة لدعم مادى من رجال الأعمال، خاصة أنه يمثل حالة فى المجتمع المصرى، فلا يجب أيضاً أن يخسرهم سواء هم أو غيرهم، ليظل مرشحاً لكل المصريين.
يحتل «السيسى» الآن مرتبة رفيعة فى قلوب المصريين وشعبية وصلت إلى درجة كبيرة، وما أخشاه أن تصرفاته وكلماته أثناء الحملة تنهل من هذه الشعبية، لذا يجب أن يركز جيداً، ويبذل جهداً فى البحث عن الكفاءات من غير السياسيين، خاصة أن حملته ستكون الأقل وقتاً بين المرشحين، وعملية الاندماج فى الحياة السياسية ليست سهلة فى مجتمع ممزق ومفتت، خاصة أنه بلا ظهير سياسى حتى الآن.. وإذا كانت المرحلة الماضية «سيمفونية فى حب السيسى» فإن الفترة المقبلة ستكون سمتها «الصراع على السيسى».