محمود مسلم
كنت فى زيارة إلى صديقى الكاتب الصحفى المريض «محمود الكردوسى» شفاه الله بمستشفى وادى النيل، مررت بجوار مبنى المخابرات العامة المصرية وتذكرت مشاهده فى مسلسل «رأفت الهجان»، ولا أعرف لماذا سألت نفسى: كم «رأفت الهجان» فى مصر الآن؟ بالمعنى العكسى، أى الشخصيات التى برزت داخل المجتمع المصرى وهى عميلة أو جاسوسة أو ممولة أو منتهية من دول أخرى، والشعب المصرى مخدوع فيهم.. حيث إن الهجان لم يكن جاسوساً عادياً لبلاده، أو ممن يبحثون فى الظل عن معلومة، بل كان جاسوساً من نوعية مختلفة استطاع اختراق المجتمع الإسرائيلى وبرز فى جلسات الكبار، بل وكانت له شعبية كبيرة داخل أوساط العدو الإسرائيلى استثمرها لصالح مصر وشعبها.
كل الشواهد تؤكد أن مخابرات دول عديدة تلعب فى مصر، وأن البلاد تتعرض لمؤامرات قد تكون هى الأكبر والأخطر فى تاريخها بعد أن نجح المتآمرون فى إفساد أمور كثيرة خلال الفترة الماضية، ولكن يظل الأخطر هم هؤلاء الذين تواروا وراء الثورة أو خلف الشاشات أو الجمعيات الحقوقية وأحياناً الأحزاب لينفذوا أجندات خارجية، وما زالوا يحظون بقدر ولو ضئيل من الشعبية والتقدير والاحترام، وأصبح الحديث عن حصول «فلان» على تمويل من الخارج أو علاقة «آخر» بدولة معينة أمراً يتم تداوله فى مصر وكأنه أمر عادى فى ظل دولة تبحث عن استعادة استقرارها، وشعب تعب ممن افتقدوا الوطنية وضلوا طريقهم إلى دول عربية وأجنبية.
لقد كتب م. يحيى حسين عبدالهادى مقالاً رائعاً فى الزميلة «اليوم السابع» تحت عنوان «عندما اتهمتم جيشكم باستخدام الكيماوى» كشف خلاله هوجة العداء ضد الجيش المصرى بعد أحداث محمد محمود فى نوفمبر 2011، بعد أن اتهمهم شخص اسمه أحمد معتز ادعى أنه أستاذ الجراحة والأعصاب بكلية طب قصر العينى، باستخدام الكيماوى ضد الثوار وذخائر اليورانيوم المخصب، وقذائف الفوسفور وغاز الخردل، وفى 24 أغسطس 2012 حكمت محكمة جنح مستأنف قصر النيل بالحبس عامين ضده بعد أن اكتشفوا أن اسمه فتحى أحمد عبدالخالق، وأنه انتحل صفة «أستاذ مخ وأعصاب»، لكن الأخطر كما كتب م. يحيى عبدالهادى أن الآلاف من الائتلافات الثورية قامت بترويج أكاذيب «معتز» أو «فتحى» ضد الجيش، وتولى إعلاميون كبار نشرها، لأن الهجوم على الجيش المصرى والمجلس العسكرى كان الموضة السائدة ونوعاً من أنواع البطولة المجانية لثوار ما بعد الثورة، ومع ذلك لم يعتذر أحد من الإعلاميين أو مدّعى الثورية أو السياسيين الذين شاركوا فى هذه الفضيحة، بل إن من اكتشف الكذب مبكراً لم يفضحه خشية اتهامه بأنه مع الجيش.
بالطبع ليست هذه القصة الوحيدة، وإذا كانت الواقعة تمت بجهل فإن ترويجها ونشرها لم يكن بسذاجة 100٪، وليعرف الناس أن مصر عاشت السنوات الماضية كان ينظر إلى ضابط المخابرات أو الأمن الوطنى المسئول عن حماية الأمن القومى على أنه «جاسوس» بينما الجواسيس الحقيقيون يرتعون فى مجالس الحكم والسياسة واتخاذ القرار، ويتصلون جهاراً نهاراً بالدول التى ترعاهم، حتى وصل الجواسيس إلى الحكم ثم افتضح أمرهم بعد أن حاولوا تدمير أجهزة الدولة وتشويهها، لكن ما زال هناك جواسيس آخرون يلعبون الدور العكسى لرأفت الهجان حتى الآن، وما زالت الأجهزة عاجزة أو غافلة عن كشفهم، والشعب لا يعرف حتى الآن عدد وأسماء من يلعبون دور رأفت الهجان فى مصر!!
"الوطن"