بقلم: محمود مسلم
وسط إقليم ملتهب لا يهدأ، تتسارع فيه الأحداث بدرجة لا يتخيلها أحد، تقف مصر ثابتة وصامدة وصاحبة رؤية استراتيجية وعلاقات متنوعة تستطيع بها ليس الدفاع عن نفسها فقط، كما اعتادت خلال السنوات الماضية، بل الهجوم للعب دور حقيقى يساعد دول المنطقة ويدعمها فى مواجهة رياح عاتية سواء من الشرق أو الغرب.
من يتابع التحركات المصرية بقيادة الرئيس السيسى خلال الأسابيع الماضية فقط يستطيع بسهولة استيعاب حجم الدور المصرى وتأثيره، من زيارات استقبلها على أرض المحروسة بداية من الشيخ محمد بن زايد، ولى عهد أبوظبى، أو سيرجى لافروف، وزير خارجية روسيا، وكذلك عادل عبدالمهدى، رئيس وزراء العراق، أو المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الوطنى الليبى (وهى زيارة مهمة وخطيرة فى توقيت بالغ الحساسية لمن يفهمها)، وكذلك الوفد السعودى الذى حمل رسالة من الملك سلمان بن عبدالعزيز، خادم الحرمين الشريفين، إلى زيارات قام بها الرئيس خارج مصر وأبرزها الولايات المتحدة الأمريكية لمقابلة الرئيس ترامب، أو إلى دول غرب أفريقيا (غينيا وكوت ديفوار والسنغال)، وكذلك أيضاً زيارة وفد مصرى رفيع المستوى إلى السودان منذ أيام للاجتماع مع المجلس الانتقالى الجديد، بينما تم رفض استقبال أى مسئول من قطر، هذا بالإضافة إلى مكالمات أجراها الرئيس السيسى سواء مع أنجيلا ميركل، رئيسة وزراء ألمانيا، أو مع عبدالفتاح البرهان، رئيس المجلس الانتقالى السودانى
لقد أصبحت «القاهرة» هى بؤرة الأحداث وقلب وعقل العروبة وأفريقيا، بينما انحسر الضوء عن الآخرين الذين تاجروا بدماء الشعوب خلال السنوات الماضية.. لقد أصبحت مصر حاضرة وبقوة وتأثير فى كافة قضايا الإقليم، سواء فى المشاكل القديمة من فلسطين والعراق إلى سوريا واليمن وليبيا التى تمر بمرحلة مخاض صعبة هذه الأيام، إلى القضايا الجديدة سواء فى السودان أو الجزائر أو حتى وصول «داعش» إلى الكونغو.
تفعل مصر كل ذلك ويسمعها العالم ويثق فى رؤيتها، بينما البعض فى الداخل والخارج ما زال يتحدث عن توقعاتهم بالمصالحة السعودية القطرية وأن مصر ستضطر بعدها للتوافق مع «الدوحة»، أو البعض الآخر الذى ما زال يحلم بعودة السلطان العثمانى أردوغان مرة أخرى إلى قضايا المنطقة.
مصر لا تدير علاقاتها سياسياً فقط، بل استطاعت ترجمة هذا التأثير الإقليمى إلى فرص اقتصادية ستجعل منها خلال سنوات قليلة مركزاً إقليمياً للطاقة، كما ستكون بيت خبرة فى التنمية لكل الدول التى مرت بثورات أو تعرضت لظروف صعبة، وبالطبع هذا سيوفر فرص عمل حقيقية لأبناء الشعب المصرى، خاصة أن المشروعات القومية التى قام بها «السيسى»، والتى تلقى إشادة محلية ودولية، تجعل من الشركات المصرية صاحبة الأولوية فى تكرار هذه الإنجازات بالدول الصديقة.
لا تتحرك مصر فى هذا العالم المضطرب من فراغ، ولكن برؤية استراتيجية وقدرات قوية فى معرفة ما يتم على أرض الواقع وتحليله واستشراف المستقبل وتقديم نصائح مختلفة لأصحاب الأزمات وللعالم والوقوف بقوة فى مساندة الجيوش الوطنية، كما يحدث مع «حفتر ليبيا» ضد الإرهاب والميليشيات.
السؤال الذى يطرح نفسه مجدداً: لماذا يصدق العالم «السيسى»؟.. والإجابة كما رصدتها: لصدقه.. ينفذ ما يعلنه، وتجربته فى مصر من الدمار إلى التنمية ورؤيته الاستراتيجية للأحداث، بدليل أن ما كان يقوله السيسى فى أزمة سوريا منذ سنوات أصبح العالم يردده الآن ونفس السيناريو فى ليبيا، بالإضافة إلى شعبيته فى الداخل، وقدرة مصر على التواصل مع كافة الدول والحفاظ على ثوابتها بعدم تدمير البلاد، بل السعى الدائم إلى التنمية وتبادل الخبرات.. الخلاصة أن العالم وجد فى «السيسى» رجلاً صادقاً وصاحب رؤية وخبرة وشعبية حتى ولو كره الكارهون!!