محمود مسلم
سافرنا إلى ألمانيا والمجر لتغطية أحداث أهم زيارة لرئيس مصرى إلى أوروبا، خلال العقدين الأخيرين على الأقل، خاصة أن ألمانيا موقفها أكثر تشدداً من أمريكا فيما يخص ثورة 30 يونيو والرئيس السيسى والجيش المصرى، وزاد الأمر صعوبة الاعتذار السخيف لرئيس برلمانهم عن لقائه السيسى، وتصريحات السفير الألمانى بالقاهرة التى تحدث فيها عن عدم وجود أدلة على إرهاب الإخوان، ثم مطالبة بعض النخبة الرئيس بالاعتذار عن الزيارة، وأخيراً ما تواتر عن مخططات التنظيم الدولى للإخوان هناك، لكن لم يبحث السيسى عن شعبية سريعة وزائفة يكتسبها من قرار الاعتذار، وقرر المواجهة كعادته وسافر، وأكرمه الله وأكرمنا بدرجة عالية من التركيز خلال مؤتمره الصحفى مع المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، أكسبته تقدير كل من تابع المؤتمر، ولم يجد الإخوان وعملاؤهم وبعض السذج سوى الحديث عن تشويش فجر العدلى، وظهور الفنانين وحضور رجال الأعمال المؤتمر الصحفى، وللأسف انساق وراءهم بعض من الإعلام المصرى، بينما لم يجد أحد عيباً فى أداء الرئيس، خاصة أن الزيارة حققت نتائج جيدة فى ظروف صعبة.
فقد قالت ميركل للسيسى: «اجتماعنا معكم اعتراف بأنك جئت بإرادة شعبية، ولست ديكتاتوراً عسكرياً»، وعقد الرئيس اجتماعات مكثفة مع كبار رجال الاقتصاد والسياسة والإعلام فى ألمانيا، كما أن فريقه الوزارى عقد لقاءات أخرى لتوضيح الموقف فى مصر، وكانت الرسائل الأساسية للرئيس ووزرائه هى سقوط مصر يمثل أكبر خسارة لأوروبا.. والقاهرة قادرة على أن تحافظ على استقرار المنطقة.. والمناخ الاقتصادى أصبح مشجعاً للمستثمرين. وأعتقد أن الرسائل قد وصلت إلى حد ما، وهو ما جعل الصحف الألمانية التى هاجمت الرئيس قبل لقائه ميركل، ووصفته بـ«الضيف الصعب»، تتراجع تكتيكياً وتعترف أن مصالح البلدين أقوى من المثل من وجهة نظرهم، وإن ظل بعض الإعلام الألمانى على هوايته فى تشويه زيارة السيسى، حيث صوروا المصريين المقيمين فى ألمانيا على أنهم هتيفة جاء بهم الرئيس من مصر ليصفقوا له، رغم أن من صوروه يعيش فى ألمانيا منذ 40 سنة، كما ركز بعض الإعلام الألمانى على مشاركة بعض رجال الأعمال فى المؤتمر الصحفى لميركل، وعندهم الحق فى ذلك لكنهم فى ذات الوقت لم ينتقدوا ذهاب طالبة بكلية الطب، لم تتخرج بعد وتعمل بإذاعة محلية ألمانية، إلى المؤتمر الصحفى، وكيف أن الجهات الألمانية سمحت لها بالدخول رغم تحذير السفارة المصرية ببرلين للسلطات هناك، من أن هذه الفتاة ستثير المشاكل.. فاكتفوا فقط بوقوف ضابط ألمانى بجوارها.
من تحدثوا عن ظاهرة الفنانين، وضخّموا فيها، لم يشاهدوا مظاهرات الإخوان هناك وسوء أخلاقهم وجلبهم جنسيات أخرى ما بين تركية وسورية وحمساوية لإرهاب الوفد المصرى. وفى إحدى المرات اقتربوا حوالى 15 متراً من الموكب قبل وصول الرئيس بدقائق، ووجهوا شتائم وسباباً كعادتهم لبعض أفراد الوفد، كما أنهم نظموا فعاليات مختلفة لإجهاض الزيارة، منها مسيرة كبيرة طافت الشوارع، وقد رأيتهم بسلوكياتهم المتدنية يشتمون باللغة العربية أحد أفراد الوفد الصحفى، ولولا البوليس الألمانى لهجموا عليه.. ليؤكد الإخوان مجدداً تدنيهم وانهيارهم الأخلاقى، وأنهم إذا فشلوا فى الديمقراطية والنظام، فإن العنف والشتائم والسباب هى الطريق، سواء ما حدث فى مظاهراتهم أو ما قامت به فجر العدلى.
لقد بذل الفنانون، وكل من سافر إلى ألمانيا، جهداً كبيراً مع المصريين المقيمين فى أوروبا من أجل دعم الدولة المصرية، فيما لم يحصل أحد على ميزة أو مقابل وقد تم دعوة عدد من الفنانين الشباب واعتذروا لانشغالهم مثل: أحمد السقا ومحمد هنيدى، بينما وافق أشرف عبدالباقى، لكنه لم يكن يحمل التأشيرة، وللعلم فإن الوفد الشعبى قام بجهد متميز بداية من وفد الدبلوماسية الشعبية، برئاسة الوزير الأسبق محمد العرابى، قبل الزيارة الرسمية، ووفد حزب المصريين الأحرار الذى عقد لقاءات عديدة، والجهد المتميز الذى بذله د. أشرف منصور، رئيس مجلس أمناء الجامعة الألمانية، الذى نظم حواراً مع نائبة رئيس البرلمان الألمانى، كما أن عدداً كبيراً من رجال الأعمال قد شاركوا فى المنتدى الاقتصادى مع نظرائهم الألمان، وهنا يجب الانتباه إلى النصيحة التى وجهها فرابد باول فاينس، رئيس الجمعية الألمانية للسياسة الخارجية وسفير ألمانيا السابق بالقاهرة، إلى الوفد الشعبى الذى التقاه فى مقر الجامعة الألمانية أن الحل الوحيد لحالة التشويش على صورة مصر إنجاز الانتخابات البرلمانية.
خرج الرئيس والوفد المصرى من ألمانيا بعد زيارة ناجحة إلى المجر، التى يبدو أن هناك «كيميا» تجمع السيسى مع رئيس وزرائها، الذى استقبل الرئيس المصرى بحفاوة بالغة، ومنحته الجامعة هناك دكتوراه فخرية، فى بادرة هى الأولى من نوعها لشخصية دولية.. وإذا كان السيسى قد ذهب إلى ألمانيا برسائل محددة، فإنه ذهب إلى المجر ليجد رسائل أكثر صرامة مما يستهدفه من رئيس الوزراء الذى قال: «استقرار أوروبا مرتبط باستقرار مصر، لا تسمعوا نصائح من أحد، فكل شعب يستطيع إنجاز تجربته بطريقته، إذا كانت الديمقراطية قد نجحت فى أوروبا فليس شرطاً نجاحها فى الشرق الأوسط».
الغريب أن رئيس الوزراء حاز 75٪ فى الانتخابات، ويطالب بعودة عقوبة الإعدام، مما يجعله فى حالة شد وجذب مع دول أوروبا الغربية، ويرفض التبعية، وشكل تحالفاً مع 3 دول أخرى، هى بولندا - سلوفاكيا - التشيك، أصبح يمثل قوة لا يستهان بها داخل الاتحاد الأوروبى، ويمكن أن تضاف لرصيد مصر داخل أوروبا، هذا بالإضافة إلى عقد اتفاقيات اقتصادية مع المجر، التى استطاعت خلال ٥ سنوات فقط العبور من أزمة اقتصادية طاحنة إلى تحقيق معدلات نمو مزدهرة.
لقد سافر الرئيس إلى أوروبا دارساً ومركزاً ومستعداً لكل الاحتمالات، وعاد بنجاحات سياسية واقتصادية، وتعليمية حيث ستقوم شركة سيمنس بتدريب ٣٠٠ مهندس لمدة عام فى ألمانيا بينما ستستضيف المجر ١٠٠ دارس فى جامعاتها وقد سعد الشعب المصرى بالزيارة لينتقل الرئيس من الجهاد الأصغر فى الخارج إلى الجهاد الأكبر فى الداخل!!