محمود مسلم
فى طريقى بعد العيد لزيارة «قبر والدتى»، لفت نظرى لافتة كبيرة تحمل عنوان «إلى مسجد المشير طنطاوى».. سعدت، لأن الجيش المصرى العظيم يفخر بقياداته دائماً، ولا يتعامل معهم كخيل الحكومة، خاصة أننى رأيت قبلها كوبرى المشير الجمسى وكوبرى المشير أبوغزالة، وشاهدت من قبل تكريماً لقيادات البحرية الذين خططوا ونفذوا عملية إيلات.. وكلما ذهبت إلى حفل عسكرى وجدت قادته السابقين يزينون المكان.. المهم ما إن عُرف خبر بناء مسجد باسم المشير طنطاوى، حتى اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعى باتهامات واستنكار ويبدو أن البعض ممن كذبوا كذبة أن المجلس العسكرى السابق سلم السلطة للإخوان صدقوها بالفعل، وبدأوا يقيمون الأمور على أساسها، مع أن أى محلل للأحداث يعلم أولاً أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحالى هو ذات التشكيل السابق باستثناء خروج الفريق سامى عنان، واللواء حسن الروينى، وصعود الفريق عبدالعزيز سيف والفريق مهاب مميش، والمرحوم الفريق رضا حافظ إلى مواقع تنفيذية أخرى.. وبالتالى فإن الجيش يتحرك بعقيدته فى الانحياز لإرادة الشعب مهما كان تشكيله حتى لو أصاب وأخطأ، كما أن «طنطاوى» الذى استمر فى قيادة البلاد حوالى عام ونصف العام لم يستعن بأى إخوانى فى الحكومات المتعاقبة وقد كان ترشيح صبحى صالح فى لجنة تعديل الدستور من قبل المستشار ممدوح مرعى، وزير العدل السابق.
لقد تحمل «طنطاوى»، الذى ظُلم أحياناً وظلم نفسه فى أحيان أخرى ما لا يتحمله بشر فى فترة صعبة ومفاجئة ومرتبكة وصلت إلى حد تغاضيه عن إهانة شخصية وجهها له أحد مراهقى ثورة يناير رغم ما هو معروف عن المشير من التزام وانضباط وعسكرية خشنة، ويبدو أن الرجل «انكب» على ما لديه من معلومات حول المؤامرات والاختراقات جعلت هدفه الأسمى والوحيد هو العبور بالبلاد من النفق المظلم فى ظل وضع داخلى مضطرب ومنطقة ملبدة بالغيوم ودول أجنبية تخطط وتمول وتنفذ لتقسيم الدول العربية.
كل من أخطأ فى الفترة الانتقالية «الثوار والإعلام والأحزاب»، حمل المسئولية على «طنطاوى» لدرجة أن الرجل أصبح مداناً من الجميع: «أنصار مبارك - الإخوان - الثوار»، رغم ما قدمه الرجل من تضحيات ومع الاعتراف بأن هناك أخطاء فادحة قد جرت، لكن لا يمكن أن ينتزع بعض الصبية الذين فرضوا أنفسهم على المشهد السياسى من قائد الجيش صفة «الوطنية» ويتهموه بأنه تواطأ مع هذه الجماعة الإرهابية الخائنة، رغم أن أسيادهم الأمريكان اعترفوا بوطنية الرجل، حيث تقول هيلارى كلينتون فى مذكراتها عن ثورة يناير: «طنطاوى كان ضابطاً ملتزماً بقومية بلاده، شديد الإخلاص لعقيدة الجيش غير مستريح للمساعدات الأمريكية»، كما يحكى الكاتب مصطفى بكرى فى أحد كتبه أن «طنطاوى» انفعل على «هيلارى»، ولم يودعها إلى باب الوزارة كعادة بروتوكولية بسبب محاولة تدخلها فى الشأن المصرى.
لقد نسى من يعترضون على تسمية مسجد باسم المشير طنطاوى أن هذا الرجل له موقف من الخصخصة، وأوضاع أخرى قبل ثورة يناير، وأن الرجل ومجلسه أداروا 3 استحقاقات انتخابية، لم تعرفها مصر من قبل، شهد العالم بنزاهتها وأنه جعل من الجيش قوة اقتصادية تم الاستفادة منها لصالح الشعب سواء قبل يناير أو بعده، كما قرر التبرع بمبلغ كبير لصندوق شهداء الثورة، بينما الإخوان والثوار اكتفوا بالمتاجرة بدمهم لتحقيق مكاسب سياسية.
أغرب ما قرأت عن انتقادات الصبية لطنطاوى حديثهم عن هزيمة كتيبته وانهيارها فى حرب أكتوبر، وهذا تطور طبيعى لفكر هؤلاء الذين قرروا احتكار الحقيقة والعبث بالتاريخ وإطلاق آرائهم فى كل الموضوعات، مع أن الحقيقة التى يذكرها كثير ممن شاركوا فى الحرب أن «طنطاوى» كان له دور بطولى وفقاً لموقعه ورتبته وقتها.. وقد لاحظت فى احتفالات عسكرية مدى حفاوة القادة الجدد والضباط الصغار بالمشير المتقاعد حسين طنطاوى.
وعلى الذين يكتبون التاريخ برعونة الأطفال ألا يوزعوا صكوك «الوطنية» ويبحثوا عن أخطائهم بدلاً من تعليق الشماعة على الآخرين، واستسهال النتائج بأن «طنطاوى» سلم السلطة للإخوان، فهى مقولة لا تعكس الواقع.. فالرجل أصاب وأخطأ، وتكريم الجيش له تقليد محترم يجب تكراره فى كل المؤسسات، وبالمناسبة الإخوان لم يهزموا «طنطاوى»، بل إن الذى هزمه نخبة غير واعية.. وثوار فقدوا الإدراك.. وقبل ذلك وبعده كبر سنه!!