محمود مسلم
وكأن السلطة فى مصر لا تعرف أن هناك برلماناً قد استكمل إجراءاته ويحتاج إلى اختيار 28 معيّناً ورئيساً والتوافق على تشكيل هيئات مكاتب اللجان، وإلى إصدار قرار ببدء الانعقاد وحل أزمة المادة 156 من الدستور التى تُلزم المجلس بمناقشة نحو 400 قانون صدرت فى عهدى «منصور» و«السيسى» خلال 15 يوماً.
البرلمان حائر، لا أحد يعرف متى سينعقد رغم مرور أكثر من 25 يوماً على اكتماله، وكأنه جاء ديكوراً لتجميل الصورة وليس ليتحمل مسئولياته أمام الشعب الذى انتخبه.. ولا يعرف النواب الآن ماذا يفعلون وهل يمارسون مهامهم بعد حصولهم على الكارنيهات أم ينتظرون أداء اليمين.. ومما لا شك فيه أن تأخر الانعقاد وعدم جاهزية السلطة جعلا كثيراً من النواب يطمعون فى مناصب باللجان لم يكونوا يحلمون بها يوماً، وهذا سيجعل انتخابات اللجان بل وهيئة مكتب المجلس، التى تضم الرئيس والوكيلين، هى المسمار الأول فى تفتيت البرلمان وشق صف تحالف 30 يونيو وبداية لصراعات كثيرة ستدفع ثمنها السلطة والشعب بالطبع.
السيطرة على النواب «وهمٌ» لا يفكر فيه إلا الساذجون، فكل الأحزاب على مدى تاريخ البرلمان لم تستطع تجنيد نوابها وجرت خروقات كثيرة بما فيها الحزب الوطنى.. وبالتالى فلا طريق إلا بالحوار مع النواب واحترام شعبيتهم، لأن الحكومة لن تستطيع تقديم خدمات، وكل نائب ذهب إلى البرلمان يعرف تماماً أنه جاء «بذراعه» ولم يساعده أحد، ولا يملك سوى الانصياع للناخبين الذين سيعود إليهم بعد 5 سنوات بمواقفه ليقيّموه.
لقد تأخر ائتلاف دعم مصر فى فتح حوار سياسى مع النواب وتعامل معهم كأنهم «موظفون»، للدرجة التى جعلت أقرب الأحزاب إليه «مستقبل وطن» يخرج، مما أدى إلى انهيار صورة الائتلاف وطمع المشتاقين والطامحين، لأن من يديرونه لا يفقهون أن الحوار السياسى مع النواب ضرورة، وأن البرلمان أثناء جلساته لن ينتظر تعليمات من الخارج، فكل الموضوعات ستكون على الهواء، والاختلاف وارد، والانشقاق مؤكد فى كل أمر يُعرَض على المجلس، خاصة أن عدداً كبيراً من النواب حديثو عهد بالبرلمان والسياسة، لكن أغلبهم مع الرئيس السيسى والدولة ومقتنعون بأهمية وجود هذا الائتلاف لإنقاذ برلمان يسيطر المستقلون على أغلبيته، ودفع دولة معرضة للمخاطر من كل جانب نحو التنمية.
إقالة أو استقالة اللواء خالد الصدر قبل انعقاد البرلمان دليل قديم على التخبط، وكأن القائمين اكتشفوا فجأة أنه لا يحمل شهادة ليسانس الحقوق، كما فوجئوا بأن لائحة البرلمان يجب تغييرها، وأن هناك انتخابات لهيئات مكاتب المجلس واللجان وغيرها من الأمور التى تكشف حالة ارتباك واضحة تعكس عدم خبرة فى إدارة مثل هذه الملفات، وتسمح للطامحين بفرض إرادتهم وتوفر مناخاً جيداً للانشقاق ولمعارك الهواء.
الحكومة ليست أفضل حالاً.. فرغم مرور 100 يوم على مقاعدها لم تبهر الشعب المصرى بعد، وهناك ملاحظات على أداء رئيسها أكثر من الإشادات، ولا أحد يعرف هل تحمل برنامجاً حقيقياً لنهضة البلد أم أنها تختبئ وراء شعبية الرئيس السيسى والمشكلات العاجلة وأهمية الاصطفاف والوحدة ومواجهة الأعداء فى الداخل والخارج، وحتى الآن لا أعتقد أن الحكومة جاهزة لمواجهة البرلمان. قد تكون أعدت برنامجاً نظرياً سيعرض على النواب، وسيقرونه حتى تستمر، لكن أتحدى أن تكون هناك رؤية واحدة اتفقت عليها الحكومة للتعامل مع النواب؛ بمعنى: هل سيوقع لهم الوزراء والمحافظون على طلبات الوظائف، هل سيحدد كل وزير أو محافظ -ومعظمهم يتعاملون مع برلمان للمرة الأولى- ميعاد اجتماع أسبوعى، أم سيلتقى النواب كلما ذهبوا إليه.. هل يتحكم النواب فى خطط الحكومة وخاصة فى الخدمات.. هل سيعقد ائتلاف دعم مصر حوارات مع الوزراء لاستيضاح الحقائق أم ستكون المواجهة فى البرلمان؟
أغلب الظن أن الحكومة لم تفكر أو تتفق على رؤية موحدة للتعامل مع النواب، وبالتالى ستترك كل وزير أو محافظ بها ومهارته مع النواب، فمنهم من سيقدم لهم «رشاوى»، خدمات وغيرها، لاستيعابهم، ومنهم من سيصطدم بهم وسنسمع عن نائب اعتصم فى مكتب الوزير أو المحافظ لأنه رفض مقابلته، وعن آخر ضرب وكيل وزارة رفض التوقيع على طلبه، وثالث قدم استجواباً ضد الوزير لأن الأخير رفض ترقية ابن أخته، وغيرها، بالإضافة إلى تكرار مشاهد تجمع النواب حول الوزراء تحت القبة للحصول على تأشيرات.. ويظهر نواب يفرضون إرادتهم على الحكومة والدولة نتيجة الارتباك والتأخير الدائم وعدم وضوح الرؤية فى التعامل مع البرلمان.. والخوف أن تعيد الحكومة بارتباكها أسوأ مشاهد البرلمانات السابقة، خاصة مع انقراض الوزراء المسيّسين، بمن فيهم المستشار مجدى العجاتى وزير شئون مجلس النواب، وبالتالى على الحكومة أن تحدد رؤيتها فى التعامل مع النواب والبرلمان حتى لا يتحول الأخير إلى مجلس محلى ويصبح الوزراء خُدّاماً للنواب بدلاً من أن يكونوا خداماً للشعب؟!