حسن البطل
بالكلمات رسم أحمد دحبور سيرة خالد أبو خالد. شاعر يرسم صورة شاعر. رفيق درب وقتال يوجز سيرة رفيق درب وقتال. فلسطينيان ابنا نكبة وثورة. فتحاويان أيضاً. أبناء جيل.
.. سوى أن تغريبة خالد أبو خالد، من سيلة الظهر، قرب جنين، مستمرة، وعودة أحمد دحبور، من حيفا، ناقصة. الاثنان ممتلئان بفلسطين حتى التماهي. ولكل زاويته في النظرة إلى هذه اللحظة التاريخية، وما فيها من تلازم بين الحق والحقيقة.. ومن تباعد.
تولى دحبور تقديم الإصدار (13) لكتاب الشهر، الصادر عن وزارة الثقافة ـ فلسطين، بعنوان "تغريبة خالد أبو خالد".
من وقت ناجز إلى وقت موجز، ألتقي دحبور في غزة أو رام الله. التقيت خالد أبو خالد مرتين لا غير. مرة في بغداد خلال حرب أكتوبر 1973، وكان مدير طوارئ لإذاعة صوت فلسطين ـ بغداد في ظرف مشحون؛ ومرة ثانية وأخيرة في بيروت بمكاتب "فلسطين الثورة" في ظرف لبناني ـ فلسطيني مشحون.. ما لبث أن انفجر، وحملتنا شظاياه إلى منفى آخر وأبعد.
سأقتبس من تقديم دحبور ما اقتبسه أدونيس عن غوستاف فلوبير: "ما يعذب حياتك، يعذب كذلك أسلوبك في الكتابة". وأعتقد أننا، نحن الثلاثة "نركض على أرض تركض" حسب تعبير دحبور في خاتمة تقديمه.
في بغداد، اكتشفت عذاب أبو خالد (حرير ذائب) وأيضاً معدنه الصلب، وملكة القيادة لديه (عام 1960 شارك في تأسيس "حركة طلائع الثورة العربية" ثم "حركة طلائع تحرير فلسطين").. وبعد النكسة 67 التحق فدائياً في حركة "فتح"، ثم قائداً عاماً للميليشيا شمال الأردن.
تحت توجيهه وقيادته، كانت الاذاعة الفلسطينية من بغداد 1973 هي الأهدأ، ما أثار عجب العراقيين وإعجابهم.. وأشهد أن خالد أبو خالد كان حديداً ذائباً، وكان حريراً ساخناً. كان أخاً وقائداً.
نصف مؤلفاته الـ 21 مرت عليّ، ونصفها الآخر لم يمر، ربما هي كاملة في مكتبة أحمد دحبور، الذي أضاء طفولة خالد أبو خالد: والده شهيد قسامي 1938، فكفله رفيق نضال أبيه عبد الرحيم محمود الذي استشهد لاحقاً. بطلان لا يكفيان الفتى، إذ التقى الولد خالد، مرة واحدة، بالقائد عبد القادر الحسيني، الذي صار البطل الشهيد الثالث في ذاكرته الغضة.
يكبرني خالد أبو خالد بثماني سنوات، ويصغرني أحمد دحبور بثلاث سنوات. هل نشترك في تجربة معترك جيل.. أو تشترك أقلامنا في أسلوب الكتابة الدائرية؟! من "تغريبة خالد أبو خالد" هذه الأقواس:
منذ أن كنّا على طرفي بلاد .. كلما اتسعت تضيق
وكلما ضاقت تسللنا إليها.
قلبان في صدر الحصار .. وقلب أمي في النبات.
* * *
خرجوا صهيلاً في الصهيل.. إلى الصهيل
يترجل الآباء والأجداد من نسياننا فوق الدفاتر ..
في الحجارة والفضاء
وسيقفزون من القلوب إلى الخيول
خذ ما تبقى من خيام الروح في قلبي معك..
خذ حريتي .. لتشق أضلاعي.. وتخرجني كي أكونك
* * *
خذنا إذاً..
ادخل إلى دمنا وئيداً..
من ضفافك للضفاف
اغزل حريرك في شراييني
(معلقة على جدران مخيم جنين ـ دمشق 2003)
* * *
لم يعد جسدي أليفاً.. أو غريباً
لم يعد طقسي شتاء.. أو خريفاً
سأقول لامرأة تغادرني.. وداعاً
وأقول لامرأة تلوّح.. لا تجيئي.. أو فجيئي
(ايقاعات لجنازة الحلوى ـ دمشق 2001)
* * *
هل سوف يختلف السحاب عن السراب.. إذا اختلفنا أو تغيرت الفصول..؟
خوفي على مطر سيأتي ثم لا يجد التراب ولا الفلول
(ورق لمائدة الهواء - دمشق 1999)