توقيت القاهرة المحلي 22:43:09 آخر تحديث
  مصر اليوم -

العراق "لعل انهياراً يحمي انهياري .."

  مصر اليوم -

العراق لعل انهياراً يحمي انهياري

حسن البطل

ذهبتُ إلى العراق، صيف 1972، كما ذهب الجنرال ديغول إلى سورية ولبنان محارباً حكومة فيشي الموالية للرايخ، قال: "

ذاهب إلى الشرق المعقّد بأفكار بسيطة".
اكتشفت، أول ما اكتشفت، أن العراق لا تشمله فكرة انطون سعادة الطوباوية عن "الهلال الخصيب".. ولاحقاً اكتشفت، عملياً،

أن بلاد الشام، أو سورية الكبرى، مشمولة بفكرة مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي.
بأفكاري البسيطة وهي مزيج من الفلسطينية والسورية والعروبية، كتبت مقالة عن قرار حكومة العراق إخضاع استخراج

وتكرير وتصدير نفطه إلى نظام يسمى "المشاركة" أي أقل من "التأميم" وكتبتها في جريدة أسبوعية تسمى "المقاومة" وكانت

تصدر عن مكتب إعلام م.ت.ف، أو إذاعة الثورة من بغداد.
فوجئت في اليوم التالي، أن صحف العراق الرئيسية، وكانت ثلاث بما فيها "التآخي" الكردية، نشرت مقالتي، حرفياً، في

صفحاتها الأولى، بعد أن وزعتها وكالة الأنباء العراقية الرسمية (و.ا.ع)
لكن، بعد اتفاق آذار بين الحكومة والحركة الكردية عن حكم ذاتي للأكراد، كتبت مقالة ثانية نشرتها بكاملها "التآخي" ونشرتها

مجزوءة صحف النظام.
آنذاك، كان العراق في مرحلة تحولات وصعود "نائب الرئيس صدام حسين إلى منصب الرئيس، الذي تعهد "سيبني في

العراق دولة غير اعتيادية في العالم الثالث" وبأسلوب يذكّر، في مرحلة لاحقة، بأسلوب الحجاج بن يوسف الثقفي، الذي قطف

"الرؤوس اليانعة".. ولكن بين العراق المستقر والمزدهر.
***
إذا أجملت تاريخ بلاد الحضارة والفنون والعلوم: سومر وآكاد، أو بلاد شريعة حمورابي، أو بلاد "أرض السواد" الخصبة

و"الرافدين" خلال الـ 60 سنة، منذ انقلاب عبد الكريم قاسم 1958؛ فسأقول: هذا بلد التخوم العربية الذي ينزف ولا يتوقف

عن النزيف، وهجرة خيرة عقوله وخبرائه إلى خارجه، ولا تهدأ حروبه الداخلية والإقليمية والعالمية.
الآن، يتحدثون عن "ربيع عربي" أمامه مهمة تاريخية، مديدة وعسيرة، لإعادة تشكيل دول هذا العالم العربي. هل البداية في "

ربيع تونس" حيث ثار الشعب ضد الفساد والاستبداد، أم البداية في سقوط بغداد تحت الاحتلال الأميركي بذريعة "زرع

الديمقراطية" وإسقاط الاستبداد!
تونس منسجمة، ومصر متآلفة بانسجام وطني وديني، وسورية مركبة.. ولكن العراق بالغ التعقيد: قومياً ودينياً وطوائفياً، ولم

يحل هذا التعقيد حكم قومي استبدادي يرفع شعار "شعب العراق بعربه وأكراده وأقلياته القومية والدينية المتآخية".
من زمان قال الشاعر: يقولون ليلى في العراق مريضة/ يا ليتني كنت الطبيب المداويا"، لكن العراق الآن يحتاج إلى "كونسلتو

أطباء" لكنهم مختلفون على علاجه وقتله معاً!
لا حكم الدولة المركزية نجح في استقرار العراق، ولا حكم الأقلية العربية السنية نجح، والآن لا ينجح حكم الأكثرية الشيعية،

ومن قبل لا يبدو أن حكم الدولة الفدرالية سينجح في هذا الصراع والفوضى الضاربة أطنابها. البلد يتفكّك وينهار دولة وشعباً.
بنى صدام في العراق ما اعتبر في الغرب "الجيش الرابع" في العالم.. وانهار هذا الجيش في حروبه مع إيران وغزوه

للكويت، وحرب التمرد الشيعي، والحروب العالمية. أي بلد يحارب كل هذه الحروب في فترة قصيرة! حتى أميركا لا تفعل مثل

هذه الحماقات!
كانوا يتحدثون عن تقسيم العراق ثلاثة عراقات : كردية، سنّية وشيعية، وأجروا انتخابات "ديمقراطية" تحت الاحتلال، وأخرى

أكثر "ديمقراطية" بعد الجلاء الأميركي .. ولكن؟
هذا البلد يسير نحو انهيار متسارع لكل مركبات وعناصر الدولة: الجيش، الحكومة المركزية، الحكم الفدرالي.. والشعب أولا،

وهو بلسان رئيس الحكومة ورئيس البرلمان يستنجد بحالة الطوارئ القصوى، وبالقبائل والعشائر، وبجيش البشمركة الكردي،

وبالجيران، وحتى بالولايات المتحدة، لتحميه من جناح "القاعدة" المسمى "داعش".
بعد أن حارب نفسه، ثم حارب الجارة فالجارتين، ثم حارب العالم، ها هو يستنجد بنفسه أو بقية نفسه، وبالجيران والعالم لإنقاذه

من فشله في إخضاع محافظة الأنبار الأكبر مساحة أو سقوط محافظة نينوى، وامتداد السقوط إلى محافظة صلاح الدين..

الموصل، بلد ثورة عبد الوهاب الشواف، وثالث مدن العراق، سقطت خلال ساعات.
لشاعرنا القومي عبارة رائعة: "لعلّ انهياراً يحمي انهياري من الانهيار الأخير".. فهل سيحمي الانهيار السوري المتدارك

الانهيار العراقي المتسارع؟ أم سيحميه تدخل الجارتين الإيرانية والتركية عن طريق اقتسام النفوذ فيه، أم تعود القوات

الأميركية إلى التدخل ضد "داعش" بواسطة حرب بالطائرات بلا طيار، أم أن روسيا المتورطة مع الغرب وأميركا في

اوكرانيا لديها فائض قوة للتدخل لدعم نظام كان نتيجة ورطة حروب صدام حسين، وحروب العالم ضد عراق صدام حسين.

العراق أنجد سورية في حرب اكتوبر 1973 ولا تستطيع سورية نجدته الآن.
المهم، أن أرض الرافدين، أو أرض السواد، أو بلاد سومر وآكاد وحمورابي، وهذا التخم العربي الشرقي تستمر في نزيف

خيرة أبنائها من 60 عاماً، وسورية تنزف، أيضاً، وليبيا واليمن والسودان، بينما تتعافى تونس ومصر. هذه هي الحمّى

الأصولية الإسلامية الظلامية، التي تلي الحمّى القومية العروبية. وبين هذه وتلك يختلط شروق الدولة القطرية الديمقراطية من

رحم الربيع العربي بغروب الدولة القطرية العربية في جوف الأصولية الظلامية!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العراق لعل انهياراً يحمي انهياري العراق لعل انهياراً يحمي انهياري



GMT 15:32 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

سوريا.. التاريخ والسياسة

GMT 15:30 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

الفائزون فى 3 مباريات

GMT 09:30 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

ويْكَأن مجلس النواب لم يتغير قط!

GMT 08:32 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

الثلج بمعنى الدفء

GMT 08:29 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

فرنسا وسوريا... السذاجة والحذاقة

GMT 08:27 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

التكنوقراطي أحمد الشرع

GMT 08:25 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

جدل الأولويات السورية ودروس الانتقال السياسي

GMT 08:23 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

ليبيا: لا نهاية للنفق

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 15:58 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي
  مصر اليوم - نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon