حـسـن الـبـطـل
هل غمطتُ الموقع الأوسلوي ليوسي بيلين في عمود الأمس المعنون "الأسلوي الأخير يذهب إلى الحرب" عن خطة أبو مازن، ثلاثية المراحل والخطوات، لإنجاز دولة فلسطينية رسمية؟
لعلّ في الطرف الإسرائيلي "أوسلوي أخير" هو يوسي بيلين، وهو المهندس الإسرائيلي التنفيذي لأوسلو، ونائب وزير الخارجية، وقتها عن حزب "العمل".
في مقالته، قبل الأخيرة، يوم 28/9/2014 يعترف بيلين أن أوسلو خدمت اليمين الإسرائيلي. ليس أدلّ على هذا الاستنتاج من خروج حزب "العمل" من قيادة الدولة منذ العام 2001، وإعلان زعيم الحزب، آنذاك، ايهود باراك أنه "كشف الوجه الحقيقي لعرفات" بوصفه "لا شريك"!
استعار زعيم الليكود، بنيامين نتنياهو، وصف باراك لعرفات، واستلبسه على عباس، علماً أنه عارض أوسلو وقاد التحريض الغوغائي على رابين الذي أسفر عن أول اغتيال لرئيس حكومة في إسرائيل.
بعد خسارة باراك لصالح شارون 2001، زعيم الليكود ولاحقاً مؤسس "كاديما" انشق مهندس أوسلو الإسرائيلي وأسّس حزب "شاحار" لليسار الجديد، ثم انضم إلى حزب "شينوي" اليساري، أحد الأحزاب التي شكلت حزب "ميرتس" الحالي ("راتس"، "مبام"، "شينوي").. وفي الأخير اعتزل الحياة السياسية عام 2008.
منذ اعتزاله يكتب مقالات سياسية، وغالباً في صحيفة "إسرائيل اليوم" المجانية الموالية لنتنياهو، ولا ينفكّ فيها عن الضرب على فكرته: دولة فلسطينية في حدود مؤقتة، تجري بعدها مفاوضات لحدود دائمة.
سنجد تقاطعات مع فكرة الدولة المؤقتة في اعتراف نتنياهو بخطاب جامعة بار ـ إيلان بمبدأ "الحل بدولتين" الذي اختفى وغاب عن خطابه ـ الردّ على خطاب أبو مازن في الجمعية العامة "دقّت ساعة استقلال فلسطين".
كان خطاب بار ـ إيلان مناورة لامتصاص خطابي أوباما في تركيا ومصر مطلع ولايته الأولى، علماً أن الحكومة التي يرأسها كما الحزب الذي يقود الحكومة لم تقرّ الخطاب، بل وحتى لم تناقشه أصلاً.
يبدو أن لمشروع شارون للانسحاب التام من غزة، جيشا ومستوطنات ومستوطنين، تتمة لم تكتمل في الضفة تحت عنوان "الانطواء" الذي بدأ بإخلاء أربع مستوطنات صغيرة قرب جنين. كان شارون، قبل مرضه وغيبوبته المديدة يتوخّى "إعادة تموضع" الاحتلال الإسرائيلي للضفة، بما يؤدي إلى فرض انسحاب أحادي غير كامل من الضفة.. ومن ثم التمهيد لإقامة دولة فلسطينية محصورة ومقيّدة السيادة في المنطقتين (أ) و(ب).
للتأكيد على نوايا شارون، الذي ملك الشجاعة لوصف الاحتلال باسمه خلال آخر دورة لمؤتمر هرتسيليا؛ فإن خليفته في حزب "كاديما"، الجنرال شاؤول موفاز، طرح فكرة الدولة ذات الحدود المؤقتة في برنامجه الانتخابي، بينما انحسرت مقاعد الحزب في الكنيست من 29 في رئاسة شارون ثم انحسرت في زعامة تسيفي ليفني إلى 19، وأخيراً إلى 6.. والآن إلى صفر".
عندما اقترح موفاز فكرته، وهي مستمدّة، عميقاً، من تطوير فكرة مناحيم بيغن لحكم ذاتي فلسطيني يشمل السكان دون الأراضي، سوى ضم (أ) و(ب) إلى دولة فلسطين مؤقتة الحدود.
في تأكيد آخر على نوايا شارون انضم نجله جلعاد إلى فكرة يوسي بيلين في مقالته قبل يومين بصحيفة "يديعوت أحرونوت" لكن مع الفارق حيث يعترف بيلين بمفاوضات لاحقة لدولة فلسطينية على حدود 1967 وتقسيم القدس، ومبادلات جغرافية متبادلة.
أمّا موفاز فيرى أن دولة فلسطينية مؤقتة يمكن أن تمتد، لاحقاً، إلى 80% من مساحة الضفة الغربية، في حين يحيل جلعاد مسألة الحدود الدائمة إلى بحث في المستقبل البعيد على منوال: سيقترح الفلسطينيون ونحن سنرفض!
ما هي تعاليل جلعاد؟ يقول إن إسرائيل أمامها ثلاث مشكلات:
1ـ لا يمكن الوصول إلى اتفاق مع الفلسطينيين.
2ـ دولة مشتركة غير واردة. هذا انتحار.
3ـ محظور على إسرائيل أن تتورط مع العالم (الذي يطالب بإقامة دولة فلسطينية).
في مجمل مشاريع الدولة المؤقتة ستكون حدودها غير محدّدة و"مائعة" وترتبط أجزاؤها بجسور وأنفاق. أمّا في مقترح أبو مازن فإن الحدود النهائية وترسيمها على أساس خطوط 1967 خلال 9 شهور ستليها مفاوضات حول الانسحاب الإسرائيلي خلال 3 سنوات مرشحة لتصبح خمس سنوات.
السؤال: لو ربطت إسرائيل بين مقترح دولة فلسطينية مؤقتة ومطلب دولة سيادية ذات حدود نهائية خلال ثلاث سنوات.. هل يمكن الوصول إلى "حل وسط" تاريخي؟
قوام الحل الوسط هذا هو ضم ثلاث كتل لإسرائيل السيادية مقابل تعويض أرضي لفلسطين السيادية، وتخيير المستوطنين خارج الجدار الفاصل بين الجلاء أو الخضوع للسيادة الفلسطينية، وهم حوالي 100 ـ 180 ألف مستوطن قد يختار نصفهم مثلاً "إخلاء ـ تعويض"!
يبدو أن الاعتراف الدولي بدولة فلسطينية على حدود 1967 وإعادة ترسيمها، هو الذي قد يدفع إسرائيل مرغمة لتطوير فكرة الدولة ذات الحدود المؤقتة، وتحديد أجل زمني لدولة ذات حدود دائمة تكون منزوعة السلاح وسيادية فعلاً.
من مفاوضة إسرائيل إلى مفاوضة العالم ليفاوض إسرائيل.