توقيت القاهرة المحلي 20:15:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

رواية من "عمر الأسى ما انتسى.."

  مصر اليوم -

رواية من عمر الأسى ما انتسى

حسن البطل

من معطف غوغول» خرج الأدب الروسي، على ما يقول أديب روسي من «أعمدة الأدب».. فهل تخرج الرواية الفلسطينية «من معطف النكبة»؟ هذا سؤالي، الوجيه لا النقدي، بعدما قرأت رواية «جفاف الحلق» لغريب عسقلاني. وفي طياتها اكتشافات تاريخية كنت أجهلها، مثل ان المهاتما غاندي زار مجدل عسقلان، «وتوقف طويلاً عند النساجين، وضم مغزله الى صدره وربّت على ظهر عنزته»؟ اذا كان «الاكتشاف صحيحاً، سأفهم لماذا قال غاندي: «فلسطين عربية كما هي بريطانيا انكليزية». نضع الكشف التاريخي جانباً، فان رواية نكبة عسقلانية تكمّل روايات النكبة الكثيرة، وتمتاز عليها بأنها تسجل تجربة «اللجوء من فلسطين الى فلسطين»؛ وتجربة عائلة نساجين عسقلانيين ضربت جذورها المقتلعة، وأعادت إحياء مهنة عائلية.. وواكبت تحولات صناعة النسيج الحديثة، القادمة من مصر. الاكتشاف الثالث يتعلق بأديب فلسطيني يبرع في وضع المفردة في مكانها الملائم من الجملة؛ وهذه في مكانها الملائم من الفقرة، وتلك في سياقها الروائي الملائم. ثمة اكتشاف رابع، في مقدرة فريدة لغريب عسقلاني (ابراهيم الزنط) على مزج أسلوبه اللغوي - الروائي، السلس والعميق، بالمفردة المحكية، بل والعبارة، والامثلة السائدة. هذه لغة عربية، ولغة روائية البناء..   وايضاً لغة عربية حسب مفردات وصياغات اللسان العسقلاني. انه «لسان مدن» من جهة؛ لكنه، ايضاً، «لسان بدو» صقل المفردة والعبارة، وكاد يجعل اللهجة لغة. العسل الشهي يطبخه النحل من غبار الطلع.. وتشعر ان هذا «الغريب العسقلاني» مثل نحلة، او ان قراءاته الأدبية، الوافرة والمتشعبة كما يبدو، جعلت لعسل روايته شيئاً من مذاق وشذى أزاهير الروايات العالمية الكلاسيكية، الروسية واللاتينية.. وحتى العربية، لأنني «أحسست» مثلاً، انه لم يوفر، ربما، ثلاثية نجيب محفوظ الشهيرة. 
فهمت نواحي من تاريخ غزة من نكبة اللجوء الى نكسة حزيران، بفضل هذه الرواية، وكذا التحولات الاجتماعية، العادات والتقاليد.. وبدايات وجذور الحركات الفدائية الاولى (التسلل الى عسقلان) كما الحركات السياسية.. صعود وانهيار «الأمل الناصري». هناك رواية النكبة من تجربة المنفى العربي، او من تجربة «المنفى الداخلي» في الجليل، او من تجربة اللجوء الى الأراضي الفلسطينية (الضفة والقطاع). مقطع عمودي للشعب ومقطع أفقي للمكان.. ورؤية بانورامية للزمن. ربما تُحسن وزارة الثقافة الفلسطينية، لو صدّرت سلسلة من «روايات النكبة»، او انتقت «مجموعة واحدة» من ثلاث روايات تجسد ثلاث تجارب عايشها الروائيون الفلسطينيون. 
«عودة خليل» احدى الشخصيات المركزية في الرواية، لم يعد.. لم يعش، ولم يمت ميتة طبيعية. لكن، عندما كان «عودة» صغيراً، كان شريك الحلم في العودة. هاكم جزءاً من الحلم: «نشتاق ليوم العودة الموعود، كل الناس فيها أغنياء، وكل الرجال اعضاء، وكل النساء جميلات فاتنات عاشقات.    «اعتقد ان يوم العودة الموعود وثيق الصلة بصديقي خليل عودة، المجدلي مثلي، واعتقدت انه الأحق منا جميعاً بالعودة التي يعرف دروبها عن جده عودة، لا يثنيني عن اعتقادي معلم الحساب الذي يشفشف كفي عودة بالخيزرانة حتى تصبحا في لون البندورة المفعوصة، تفزّ عيناه، تبقّان دمعاً مثل حنفية، وقبل ان يفهق يتوقف الاستاذ عن ضربه.. يداعبه فاقداً الأمل منه: - والله لن تفهم الحساب يا عودة حتى يوم العودة. «وكنت أتخيل يوم العودة، فتبرز أمامي معضلة موقعة بين الأيام، فهو بلا شك يختلف عن الأيام السبعة، ووصلت الى حل مريح مفاده ان اسبوع المواطنين سيظل سبعة أيام، أما اسبوع اللاجئين فيكون ثمانية أيام يبدأ بيوم العودة (..) وكنت أوغل في التوصيف، فأرسمه يوماً محايداً تختفي فيه المواقيت والمواعيد ليس فيه ليل ولا نهار، ولا ينتمي الى نور او ظلمة، ولا يخضع لصيف او شتاء لان الله خلقه خلقاً مختلفاً..» 
ليس في رواية «جفاف الحلق» سوى هذا الحلم الطفولي الوحيد الذي يمزج العودة بنعيم الجنة.. لكن الطفل، الذي مثل فرخ بلا زغب، ستكتوي اجنحته بنار حربي 1956 و1967، لتكون هذه الرواية النكبوية سؤالاً يحال الى اسطورة نهوض العنقاء من الرماد والدمار. 
لوعة الهوى موجودة: «عن جواد القويّل الدبّيك اللوّيح الذي يرقّص بشير يغسله عرقاً وعافية: «لطش منديل وبأطرافو لواهن «وسبع ضلوع في قلبي لواهن «حُرمت النوم يا لاحق هواهن «هدّوني البيض وعيون المها»
 حرقة النكبة موجودة: «عمر الأسى ما انتسى وانتو أساكو زاد».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رواية من عمر الأسى ما انتسى رواية من عمر الأسى ما انتسى



GMT 12:04 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

الصراع على سوريا.. أين نقف بالضبط؟

GMT 12:01 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

الذكاء الاصطناعي مطوعا في هيئة الأمر بالمعروف

GMT 11:55 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

جيمي كارتر... قصة نجاح وقصة فشل

GMT 11:52 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

الرنتيسي منجما ولا ليلى عبداللطيف!

GMT 11:50 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

سنة بطعم الموت.. نتمنى القابل أفضل!

GMT 09:43 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

لماذا ينضم الناس إلى الأحزاب؟

GMT 09:42 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

2025.. الإجابات

GMT 07:48 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

المُنقضي والمُرتجَى

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:53 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

اختيار بشار الأسد كأكثر الشخصيات فسادًا في العالم لعام 2024
  مصر اليوم - اختيار بشار الأسد كأكثر الشخصيات فسادًا في العالم لعام 2024

GMT 22:36 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الأمير الحسين يشارك لحظات عفوية مع ابنته الأميرة إيمان

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 13:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

GMT 18:06 2024 الثلاثاء ,10 أيلول / سبتمبر

أحمد مالك يشوّق جمهوره لـ مطعم الحبايب
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon