حسن البطل
قارئي رياض عواد، عقّب بإيجاز على مقالة، الأمس (يا شباب غزة.. على رسلكم» هكذا: «تأخرت هذه المقالة»، والصديق وافق رأي أنها تشعّبت على أربعة محاور.
لا أخفي أنني أتابع أحوال غزة، غير السياسية والنضالية، أكثر من أحوال الضفة. إنها تجأر بالشكوى في تقارير مراسلي «الأيام» من غزة.
في تقريره أمس، كتب حامد جاد: الأمطار الغزيرة تفاقم معاناة مربي الدواجن، لماذا تفاقم؟ لأن الأسعار هَوَت من قبل هذه النوّة الصغيرة، وفصل الشتاء والأمطار يضيف أعباء على كاهل أصحاب مزارع الدجاج شكوى، إن كان الصيد البحري وفيراً فهوت الأسعار، وإن كان شحيحاً، أيضاً.
وفي تقرير آخر: الأمطار المبكرة تبشر بوفرة في إنتاج الموسم الزراعي الحالي.. شرط تسهيلات تصدير إسرائيلية إلى أوروبا والأردن والخليج.. والضفة طبعاً. سنقرأ، لاحقاً، تقارير عن محصول الفراولة والبندورة والفلفل.
هل أقول: الزائد أخو الناقص، أو أستعير من الشاعر: من سرّه زمن (ظرف) ساءته أزمان (ظروف)!
حسناً، إلى أبعد. مرّت ثماني سنوات على حكم «حماس» للقطاع، تخللتها ثلاث حروب، الواحدة أقسى من تاليتها... وفي المحصلة؟ تقرير دولي يتوقع أن تصير غزة غير قابلة للعيش في العام 2020: المياه التي تشحّ وتسوء مواصفاتها، محطة تحلية المياه المستعملة المركزية، وبالطبع محطة الكهرباء الوحيدة في فلسطين السلطوية، وإعادة إعمار ما خربته الحروب الثلاث.. والبطالة، والحروب!
هناك ما يكفي من عراقيل وعقبات ومناكفات تحول دون هذه «الصلحة»، ومن مزايدات، أيضاً، حول الشرعية والنضالية والخط السياسي.. إلخ!
سلطة رام الله تشكو إسرائيل للعالم لأنها جعلتها سلطة بلا سلطة، وإلى الشعب الفلسطيني تشكو «حماس» لأنها لا تسمح لحكومة التوافق بالعمل في غزة فهي سلطة أمر واقع علوية على سلطة حكومة التوافق.
هل، حقاً، أن حكومة السلطة هي مجرّد «حكومة رواتب» وخاصة بالنسبة لموظفيها السابقين في غزة، مع أن رواتبهم هي محرك الاقتصاد الغزي الجاري لا رواتب حكومة «حماس»؟
بينما تنصرف حكومة غزة إلى الشعار النضالي والمناكفة السياسية، تهتم حكومة التوافق، وحكومات «سلطة رام الله» التي سبقتها بتعويم قطاع غزة، حتى لا يغرق، ليس بالبحر كما تمنى رابين، بل بمشاكل حياتية واقتصادية في محصلتها لن تكون غزة قابلة للعيش في 2020.
مشكلة محطة توليد الكهرباء ذات أسباب وفصول، وتتقدم عليها مشكلة الكارثة المائية، التي يمكن تأجيلها قليلاً بإنشاء محطة «زملحة» أي تحلية المياه المستعملة لاستخدامها في الزراعة بدلاً من تلويث البحر، وبكلفة نصف مليار دولار، جرى تأمين تعهدات دولية وعربية لمعظم كلفتها، وتحتاج إلى 100 مليون أخرى، شرط أن تتعهد إسرائيل أن لا تدمرها في حرب رابعة، كما دمّرت محطة الكهرباء!
حكومة الوفاق لا حكومة غزة، هي التي تتابع مشروعاً كهذا، مقررا يتم تنفيذه على مدى ثلاث سنوات، أي قبل أن تصبح غزة «غير قابلة للعيش».
ماذا عن إعادة إعمار غزة؟
في تقرير لشبكة المنظمات الأهلية، أن قطاع الإنشاءات في غزة، قبل الانقلاب، شكل 52% من الواردات للخزينة.. والآن النسبة هي صفر!
قبل العام 2000 والانتفاضة الثانية، تم صرف 10 مليارات في غزة على قطاع الإنشاءات، وشكل 33% من الناتج المحلي، ووفّر عملاً لـ 22% من القوى العاملة (كم نسبة البطالة في غزة الآن؟).
الآن، بعد ثلاث حروب على غزة هناك حاجة لـ 100 ألف وحدة سكنية، صرفت قطر تكاليف بناء ألف وحدة سكنية لإعمار خراب الحرب الثالثة.
يعني؟ كان قطاع الإنشاءات منذ قدوم السلطة 1994 حتى الانتفاضة الثانية أكثر القطاعات نمواً في الاقتصاد الغزي، وتجمد النمو بعد العام 2007.
كان الحلم أن تصبح غزة «سنغافورة» فلسطين، والحروب والانقسام أحالت هذا الحلم إلى كابوس اسمه «غزة غير قابلة للعيش بعد العام 2020».
كل مواطن غزي شعر بالتغيير نحو الأحسن بعد السلطة، وكل مواطن غزي يشعر بالتراجع نحو الأسوأ بعد حروب غزة وانقسامها.. ومناكفات حكوماتها.
مزايدات، ومناكفات، وعراقيل و»مشروع إسلامي» ضد «المشروع الوطني» وفي النتيجة؟
حكومة رام الله، ثمّ حكومتا الوفاق، هي المعنية أن لا تبتلع مشاكل غزة هذا القطاع من فلسطين «ما ينفع الناس يمكث في الأرض، وأمّا الزبد فيذهب جفاء».
يكفي غزة موتاً وخراباً وجعجعة شعارات، ويكفي حكومة حماس مزايدات ومناكفات وعراقيل.
حفر شارون حفرة لفلسطين الناهضة، فلماذا لا تردم حماس هذه الحفرة، بدلاً من أوهام «غزة عاصمة الخلافة الإسلامية»؟