حسن البطل
ما حيّر الفلاسفة القدماء: البيضة أولاً أم الدجاجة، وجد علماء الجينات جوابه البدهي: البيضة أولاً.
الحيرة أقل في دبلوماسية السياسة للجواب على الموقف من هذا السؤال: الدولة الفلسطينية طريق الى مفاوضات الحل النهائي، أم المفاوضات هي الطريق الى هذا الحل (خليفة يسوع قال: طريق دمشق. وقال الشاعر: دمشق الطريق).
الناطقون الديبلوماسيون الفرنسيون، وخاصة رئيس الدبلوماسية لوران فابيوس يذكرنا، في مسألة توقيت الاعتراف الفرنسي بفلسطين دولة، أن الفرنسية الأنيقة والدقيقة كانت لغة الديبلوماسية العالمية في القرن الثامن عشر، وأن الألمانية كانت لغة الفلسفة.
هل نذكّره بأن القرار ٢٤٢ لعام ١٩٦٧ صدر بالفرنسية مع "أل" التعريف، وبالإنكليزية دونها؟ "الأراضي المحتلة" أم "أراض محتلة". فازت إنكليزية اللورد كارادون، لأن الإنكليزية صارت هي لغة الديبلوماسية والسياسة العالمية والاقتصاد العالمي.
مع هذا، فإن الفرنسية المنمقة كانت طريقاً التفافياً إلى اوسلو، أي الى الاعتراف الفرنسي بأن م.ت.ف هي الممثل السياسي للشعب الفلسطيني، صار طريقاً لأوروبا.
تم ذلك بواسطة مفردة فرنسية هي Cadoque المعتمدة في مصطلحات الديبلوماسية العالمية، وتعني أن ميثاق م.ت.ف صار "متقادماً" او عفى عليه الزمن!
ماذا يقول فابيوس، قبل تصويت الجمعية العمومية الفرنسية (البرلمان) يوم ٢٨ الجاري على صيغة الاعتراف بدولة فلسطين؟
"فرنسا متمسكة بعمق بحل الدولتين (..) ذلك سيحدث في وقت ما. هذا أمر بدهي: اعتراف بالدولة الفلسطينية (..) السؤال هو: متى وكيف"؟!
فرنسا ليست أي دولة في أوروبا، ولا أي دولة في الاتحاد الأوروبي. إنها الدولة التي قادت أوروبا للاعتراف بالمنظمة، وهي الدولة ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن.
حوالي ثلث أعضاء الاتحاد (٢٠) دولة اعترفت بفلسطين دولة، وباستثناء السويد التي تولت ريادة الاعتراف الأوروبي بفلسطين، فإن سائر دول الاتحاد المعترفة كانت قد فعلت ذلك زمن "الكتلة السوفياتية" في دول شرق أوروبا.
لندن، تحت حكم المحافظين، وجدت صيغة برلمانية غير ملزمة للاعتراف، لكنها صيغة شارك فيها ممثلو أحزاب مختلفة، وقاد المشروع نواب حزب "العمال" المعارض.. فاذا فاز العماليون السنة المقبلة سيصير قرار الاعتراف غير الملزم ملزماً!
وباريس؟ المشروع البرلماني للاعتراف مقدّم من نواب الغالبية الاشتراكية للتصويت في ٢٨ الجاري، وسيتبعه تصويت آخر مرتقب في مجلس الشيوخ الفرنسي في (١١) كانون الأول المقبل، على مشروع قرار تقدم به النواب الشيوعيون.
من المستبعد ان يصوّت مجلسا الكونغرس الأميركي على ما صوّت عليه مجلس العموم البريطاني، والجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ الفرنسي. لماذا؟ لأن هذا الكونغرس، في المسألة الفلسطينية - الإسرائيلية، أقرب الى كونه "كنيست أوف اميركا" وخاصة بعد سيطرة الجمهوريين على المجلسين.
قد ينسى عامة الأميركيين أن نضالهم للاستقلال كان عن الاستعمار البريطاني .. لكن، هل ينسون ان رمز أميركا، تمثال الحرية، كان هدية من فرنسا التي حارب "لافاييت" الفرنسي من اجل تحريرها من الاستعمار.
الولايات المتحدة صارت مثل "سيدة العالم" وأيضا "سيدة الفيتو"، ولكنها الدولة التي طرحت مشروع الحل العالمي: "حل الدولتين" وقادت عملية التفاوض المضنية والمديدة .. والفاشلة لتحقيقه!
أميركا تقف محرجة - نصف مسرورة في سريرتها من التصويتات البرلمانية الأوروبية للاعتراف بفلسطين، وهذا يضعها أمام ثلاثة خيارات: تقديم مشروع وسط مضاد للمشروع الفلسطيني. الامتناع عن التصويت. استخدام حق النقض.
سيجس المستر كيري الموقف الفلسطيني في لقائه اليوم (أمس) مع رئيس السلطة في عمان، وكان قد فعل مع وفد فلسطيني زار واشنطن برئاسة عريقات وعضوية رئيس المخابرات فرج.
هناك، في مسألة الاعتراف الفرنسي بفلسطين بالتصويت البرلماني، سابقة مهمة، حيث صوتت فرنسا لصالح عضوية فلسطين في مجلس "اليونسكو"، وعلى حصول فلسطين على عضوية مراقبة في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
كانت واشنطن قد "جففت" مالياً "اليونسكو" عندما صوتت على عضوية م.ت.ف فيها، ثم كانت ضمن اقلية صوتت في الجمعية العامة ضد عضوية مراقبة.
حينها ادعت إسرائيل ان هذا "تصويت غالبية آلية" مؤيدة للفلسطينيين، وليس تصويتاً لـ "دول نوعية" فكان إضافة صوت بولينزيا وميكرونيزيا وجزر بالباو الى جانب الاعتراض الأميركي يجعلها "نوعية"؟
السويد دولة "نوعية" في العالم، وبريطانيا وفرنسا دولتان "نوعيتان" في مجلس الأمن، كما الصين وروسيا.
لم يعد أمام أميركا ثلاثة خيارات، بل احد خيارين: مشروع أميركي، أو الامتناع عن التصويت. على الأغلب سيفاوض كيري عباس على صيغة للمشروع الأميركي.