ساعتان وثلث الساعة صار زمن سفر السيارة من مخيم العروب الى الخليل. ساعتان وربع الساعة صار زمن سفر السيارة من نابلس الى رام الله. هذا في الوقت الراهن.
من رام الله الى قرية شقبا هناك طريقان: واحد شرقي يمر جانب مستوطنة حلاميش، وآخر يمر عبر قرى غرب رام الله (وكلاهما مليء بالمستوطنات!).
لسبب ما، يفضل صديقي الطريق الثاني، لكن قبل دخول شقبا هناك مائة متر غير مسفلتة، هي من آثار حاجز كان في الانتفاضة الثانية، ولم تسمح اسرائيل بتعبيده.
الآن، نقرأ ونسمع، يومياً، عن ممر وحاجز قلنديا ومن قبل؟ كان مشروع قيد التنفيذ لحلحلة ازمة المرور (٦٠ الف سيارة فلسطينية يوميا) بنسبة ٦٠٪.
يبدو ان الحركة الفلسطينية على الطرقات سوف تعود، مع استمرار الانتفاضة الحالية، الى قيود مشدّدة عليها، كما كانت ابان الانتفاضة الثانية.
قرأت عن مشروع لتحسين شارع (بالأحرى زاروب) في مخيم الجلزون، الذي كان في الانتفاضة الثانية الممر الوحيد بين رام الله وشمال الضفة، وهو لا يتسع لمرور سيارتين الا بصعوبة.
الآن، تفكر اسرائيل الحكومية بمزيد من شق الطرق الالتفافية المؤدية للمستوطنات، خاصة في غوش عصيون، وكذلك في تفتيش امني للسيارات ذات اللوحة الفلسطينية المارّة في الشوارع المشتركة، او منعها من استخدامها كلياً.
المستوى الامني الاسرائيلي يعارض، لأن طرقا يهودية خاصة، سوف تشجع الشبان الفلسطينيين على استهداف كل سيارة، لأنها ستكون اسرائيلية وخاصة بعد ظهر أيام الجمعة وأيام السبوت.
كيف سيبدو الميزان التجاري الفلسطيني مع هذه القيود؟
كان شهر ايلول الماضي بداية الاضطراب الأمني، الذي بدأت نذره منذ انهاء مهمة كيري «الحاسمة» في نيسان الماضي.
حسب احصاء الجهاز المركزي الفلسطيني (الأيام 24 الجاري) ارتفع العجز التجاري الفلسطيني بنسبة ١٢،٣٪ في ايلول هذا العام عنه في ايلول العام الماضي، بينما ارتفعت الواردات من اسرائيل بنسبة ٢٨،٨٪، مقابل انخفاض في الصادرات اليها بنسبة ٢٣،٣٪.
المفارقة، انه في يوم نشر احصاء الجهاز المركزي الفلسطيني كان رئيس الوزراء يفتتح اسبوع «المصّدر الفلسطيني» في رام الله، بحضور ممثلي الاتحاد الاوروبي، والقطاع الخاص الفلسطيني.
اذا كنّا نصّدر بما قيمته اقل قليلاً من مليار دولار، ونستورد بما قيمته خمسة مليارات، فهذه «معجزة فلسطينية» تذكرّ باللبنانية، وفي تفسيرها ان المداخيل، والمدخلات الاقتصادية الاخرى، مثل المساعدات الخارجية (للسلطة والمنظمات غير الحكومية) وتحويلات الفلسطينيين في الخارج، واجور العمال الفلسطينيين في اسرائيل، وعوامل اخرى، تجعل المصارف الفلسطينية، كلها تقريباً، تتحدث عن ارباحها السنوية المتصاعدة عاماً فعاماً.
رداً على وسم منتجات المستوطنات في اسواق الاتحاد الاوروبي، تهدد اسرائيل بما لا نستطيع الاستغناء عنه وهو: الحدّ من العمالة الفلسطينية في اقتصادها واقتصاد مستوطناتها (البدائل الاخرى غير مجدية).
ايضاً، بوسم منتوجات المستوطنات بعبارة: «انتاج اسرائيلي - فلسطيني» علماً ان صادرات اسرائيل لدول السوق هي بعشرات المليارات، وصادرات مستوطناتها اليه هي بمئات الملايين.
أي أن تأثيرها على الاقتصاد الإسرائيلي هامشي، قياسا بآثار القيود الأوروبية على منتوجات المستوطنات.
تقترح صحيفة «هآرتس» امس، توجيه منتوجات المستوطنات الى أسواق آسيا، وخاصة الصين والهند، في اطار توسيع التجارة مع آسيا على حساب التجارة مع دول الاتحاد الأوروبي.
يذكرنا اعتماد الاقتصاد الفلسطيني على المداخيل المنظورة وغير المنظورة لسد العجز المزمن في ميزان التبادل التجاري، بما كان عليه اقتصاد إسرائيل في سبعينيات القرن المنصرم.
في العام ١٩٧٦ زار إسحاق رابين بداية الاستيطان اليهودي في الأغوار، وشكوى المستوطنات من قلة الدعم الحكومي، وتهديدهم بالهجرة، قال رابين: هل تعلمون ان كل ٥٤٪ من كل ليرة في ميزانية إسرائيل (قبل الشيكل القديم والجديد) هي من عمل إسرائيل، والباقي من المساعدات والتبرعات والهبات «وكل ما يخطر على بالكم».
الآن، ازدهر اقتصاد إسرائيل، بصادرات السلاح (الدولة الخامسة عالميا) وكذلك بصناعة «الهاي تك» والصادرات الزراعية، وخاصة المبكرة منها والمهجنة.
يقول وزير حربيتهم، موشي يعلون: يمكن الانفصال عن الفلسطينيين في بعض مناطق الضفة بالانسحابات، لكن لا يمكن الفصل الاقتصادي، لأن الاقتصاد الفلسطيني سيبقى متعلقاً بالاقتصاد الإسرائيلي.
هنا تكمن مشكلة سياسية ذات منشأ اقتصادي.
نقلاً عن "الأيام" الفلسطينية