الحالة الفلسطينية ملأى بالمفارقات، ولعلّ مفارقة هذا الأسبوع إحدى ذراها، وتتمثل في «حيطنا الأمني» الواطي، إذ داهمت قوات الاحتلال قلب مدينة رام الله، هذا الأسبوع، وصادرت موجودات شركة صرافة، وأحرقت مبناها، بذريعة «غسل أموال» لصالح حركة «حماس».
منذ أكثر من عشر سنوات، وما زلنا نسعى مع إسرائيل، لإزالة ذيول اجتياح حملة «السور الواقي» واستعادة الحصانة الأمنية للمنطقة (A) السيادية الفلسطينية.
.. وهذا الأسبوع، وبفارق يوم واحد لا غير، كان رئيس السلطة في باريس، يقف على منصة إلى جانب منصة الرئيس الفرنسي، كأرقى دلالة سياسية وهي دبلوماسية البروتوكول، لإضافة مدماك دولي على الحيط السياسي الفلسطيني، بحيث تستطيع واشنطن، أن تقفز فوقه، من حالة سابقة في العام 2011، حيث استخدمت إدارة أوباما أول حق النقض وأسقطت مشروع قرار أيدته 14 دولة عضوا في المجلس يدين الاستيطان، إلى الامتناع عن نقض أكثر المشاريع الفلسطينية ـ العربية ـ الدولية اعتدالاً.
باريس تعكف على مؤتمر دولي، أكثر تحديداً لحل المشكلة الفلسطينية من مؤتمر مدريد، وفلسطين تعكف على قرار دولي من مجلس الأمن لا تنقضه واشنطن، هذه المرة، والعلاقة واضحة بين المؤتمر والقرار.
واشنطن لا تعارض، مبدئياً، فكرة المؤتمر الدولي، لأن قيادتها الاحتكارية لـ «الرباعية» لم تسفر عن نتيجة، وهي تتردّد في إنهاء احتكارها للفيتو على المشاريع الفلسطينية.
تقول باريس إن هذا الصيف قد يكون التوقيت المناسب لتنظيم المؤتمر الدولي، أمّا رئيس السلطة فيقول، منذ بعض الوقت وبخاصة في لقائه الرئيس الفرنسي، أن مشروع إدانة الاستيطان سيقدم إلى مجلس الأمن «في الوقت المناسب»، بمعنى حتى يتبين الخيط الأبيض من الأسود في نوايا واشنطن على التصويت إذا طرح أمام مجلس الأمن.
السؤال هو: ما هو الوقت المناسب لواشنطن للإفصاح عن موقفها في مجلس الأمن؟ يبدو أنها تنتظر، أولاً، حسم الحزب الديمقراطي في اختيار مرشحه لانتخابات تشرين الأول، وكم ستحرز الست هيلاري من أصوات الناخبين الكبار لولايات الولايات المتحدة، لتكون جديرة بخوض سباق الرئاسة مع مرشح الحزب الجمهوري، سواء كان ترامب أو سواه.
إلى أن تنجح فلسطين والمجموعة العربية وأوروبا في تنسيق مواقف «الوقت المناسب» لتقديم مشروع لا تنقضه واشنطن، أو تمتنع عن التصويت، فإن التنسيق الأمني السلطوي ـ الإسرائيلي لن ينجح في استعادة حصانة المنطقة الفلسطينية السيادية (A) وإزالة آثار اجتياح العام 2002.
ستظلّ إسرائيل تتصور أن «السيادة الأمنية» محفوظة للجيش الإسرائيلي وهي تعلو «السيادة السياسية» الفلسطينية، حتى في حالة نجاح المؤتمر الدولي، وصدور قرار دولي لا يعطله الفيتو الأميركي.
هذه المرة، لم تتذرّع إسرائيل عندما أحرق جيشها محل شركة صرافة في قلب رام الله، لا باعتقال نشطاء، ولا بمنع «قنبلة متكتكة» ولا «بمطاردة ساخنة» وتعمّدت الدوس الفظّ على «الحيط الأمني» الواطي الفلسطيني، وتوجيه رسالة إلى مساعي المؤتمر الدولي الفرنسي، والقرار الدولي من مجلس الأمن، أي أن الاستباحة الامنية هي استباحة سياسية أولاً، ورد إسرائيلي على ما تعتبره إسرائيل «إرهاباً سياسياً» فلسطينياً في توظيف الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية لخدمة «الحل بدولتين»، وهو المشروع الدولي ـ الأميركي ـ الفلسطيني، الذي يجعل تمادي الاستيطان أمراً غير واقعي.
واضح أن المؤتمر الدولي والقرار الدولي يهدفان إلى إنقاذ مشروع «الحل بدولتين»، وأن الإنقاذ هذا يتعلق بالموقف الأميركي من المؤتمر والقرار إذا كانت واشنطن جادة في قولها أن إنقاذ «الحل بدولتين» هو، أيضاً، إنقاذ لإسرائيل من سيطرة «دولة يهودا» على «دولة إسرائيل» الديمقراطية، فعليها أن تصوت لصالح القرار أو تمتنع عن نقضه.
قمة استانبول
من بين 56 دولة أعضاء في مؤتمر منظمة الدول الإسلامية، حضر 50 رئيساً أو رئيس حكومة مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي في استانبول.
فلسطين حصلت على دعم مواقفها كلها، لكن أهم ما حصلت عليه هو إعادة تأكيدها على مشروع السلام العربي، أو مبادرة السلام العربية، أي مركزية قضية فلسطين والقدس للدول الإسلامية.. بينما هي مركزية لإسرائيل وحدها.
القمة حضرها رؤساء وملوك تركيا وإيران والسعودية، لكن الرئيس الإيراني حسن روحاني امتنع عن حضور الجلسة الختامية، لأن القمة، أدانت إيران بدعم «الارهاب».
كان يكفي القمة إدانة الارهاب دون الإشارة إلى إيران، أي الضرب على وتر الصراع المذهبي الإسلامي ـ الإسلامي.
كانت الجامعة العربية وصمت «حزب الله» بممارسة الإرهاب، ما أدى إلى تحفظ لبنان والعراق مثلاً، وهذا بتأثير السعودية، لكن قرار اتهام إيران بدعم الإرهاب خصّ بالذكر البحرين واليمن وسورية والصومال.
يبدو أن السعودية صنعت القرار العربي، ثم صنعت مع تركيا القرار الإسلامي، علماً أن منظمات الإسلام الجهادي وبعض الدول الإسلامية السنّية تمارس الإرهاب، أيضاً.