حسن البطل
داعبتُ وضاح زقطان، أمس صباحاً في المقهى. قلت: "كلنا في الهمّ شرق..". صوّبني وقال: كلنا في الهمّ مصر". كنت أعقّب على ما على شاشة الفضائية الخليجية: الموضوع اليمن؛ وشريط الأخبار عن سورية ومصر.
أمس، السبت، كان معظم روّاد المقهى من موظفي السلطة، ينعمون بيوم عطلة عيد إعلان الاستقلال في قصر الصنوبر بالجزائر. عطلة رسمية أخرى، تشمل الموظفين الإداريين في مؤسسة "الأيام" بمن فيهم قسم الدعم الفني للجريدة، المسؤول عن وضع عدد جريدة السبت على "الإنترنت".
جديد أخبار الجريدة، على الصفحة الأولى، أن برلمان إسبانيا سيناقش، هذا الأسبوع، اقتراحاً للاعتراف بدولة فلسطين، بعد البرلمانين الفرنسي والبلجيكي، وتصويت البرلمان البريطاني غير الملزم، واعتراف حكومة السويد الملزم رسمياً.
قبل 16 عاماً التقطت قيادة "م.ت.ف" حجر الانتفاضة الأولى، وألقته في الفضاء السياسي. هذا الشهر سيحطّ حجر الدولة في قاعة مجلس الأمن. السؤال: كيف ستلتقطه أميركا؟ أو كيف سترد عليه بقنبلة دخّان كما يفعل جنود إسرائيل؛ بتقديم مشروع وسط مضاد، أو تطلق ضده رصاصة معدنية مغلّفة بالمطاط (الفيتو) كما يفعل جنود الاحتلال، منذ الانتفاضة الأولى وحتى "انتفاضة القدس" المبشرة بانتفاضة ثالثة!
المستر كيري عقد، في عمان، اجتماعاً ثنائياً مع رئيس السلطة، وما يشبه قمة ثلاثية مع ملك الأردن ورئيس وزراء إسرائيل.
واضح أنه ناقش مع رئيس السلطة، أولاً، موضوع طرح المشروع الفلسطيني على مجلس الأمن؛ وثانياً دور السلطة في تهدئة التوتر في القدس. مع الملك الأردني ورئيس الوزراء الإسرائيلي ناقش، أولاً مسألة الحرم القدسي.
هل الاتفاق الثلاثي على تهدئة الأوضاع في القدس يمهّد لإحياء الموت السريري للمفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية؟ كلا، وإلاّ لالتقى رئيس السلطة برئيس وزراء إسرائيل، وهو الأمر الذي لم يحصل منذ سنوات، بينها المفاوضات غير المباشرة التي أدارها كيري تسعة شهور!
يقود عباس ما يشبه "انتفاضة سياسية" ستكون ذروتها التصويت في مجلس الأمن على ما يشبه "خارطة طريق" فلسطينية نحو استقلال فلسطين، ويواكبها ما يشبه شرر انتفاضة ثالثة في القدس.
هذا شهر حافل ومشحون فلسطينياً: وعد بلفور. وفاة الرئيس المؤسس. ذكرى إعلان استقلال فلسطين.. وأخيراً، قرار من مجلس الأمن موقوت على مرور 66 عاماً لإقرار مشروع التقسيم الدولي لفلسطين.. وأيضاً، تصويتات برلمانات أوروبية على الاعتراف بفلسطين دولة.
في أول يوم جمعة، بعد التفاهم الأردني ـ الإسرائيلي ـ الأميركي على التهدئة في القدس، ورفع قيود الأعمار عن دخول الحرم القدسي، كان الشبان يتسلقون بالسلالم الجدار الفاصل إلى القدس مع أعلام فلسطين.
يمكن القول إن مكانة السلطة الفلسطينية تتعزز في السياسة الدولية، خلاف انحسار مكانتها بعد الانتفاضة الثانية، حيث صدّقت دول كثيرة الادعاء الإسرائيلي أنها "ملوثة بالإرهاب".
حجر إعلان استقلال فلسطين واكب حجر الانتفاضة الأولى، ثم انتكس السعي لتجسيد الاستقلال مع رصاص الانتفاضة الثانية.. والآن، تتواكب الانتفاضة السياسية مع شرر الانتفاضة الثالثة!
لكن؟ ماذا؟ بدلاً من أن تواكب الصلحة الفلسطينية هذا المسار التصاعدي السلطوي والشعبي، فقد حصلت فيها "انتكاسة" بعد أن حظرت بعض أجهزة "حماس" الاحتفال السياسي والجماهيري بمرور عشر سنوات على غياب القائد المؤسس، ثم حظرت الاحتفال الثقافي والفني بالمناسبة ذاتها في مركز رشاد الشوا الثقافي؟
كانت "حماس" وأعلامها الخضراء مدعوّة إلى المشاركة في الاحتفال الجماهيري بساحة الكتيبة، وسنرى هل ستكون "فتح" مدعوة، بعد شهر تقريباً، إلى احتفال "حماس" بتأسيسها في الانتفاضة الأولى؟
الانتفاضة الثانية لم تشبه الانتفاضة الأولى، فقد كانت الثانية نكسة عسكرية للسلطة، بينما كانت الأولى نصراً سياسياً للشعب والمنظمة.
لن تشبه الانتفاضة الثالثة الانتفاضتين السابقتين، لأنه لا حرب تشبه سابقتها، ولأن الشعب والسلطة تعلّما الدرس.. أيضاً، لأن الانتفاضة الأولى سرت مثل النار في الهشيم، وإسرائيل والفصائل حوّلا الانتفاضة الثانية إلى حريق واجتياح.
كيري نجح في خفض التوتر في القدس خشية تصعيده إلى انتفاضة.. ربما عليه أن يخشى تأثير التصويت السلبي الأميركي على اندلاع انتفاضة ثالثة؟!