توقيت القاهرة المحلي 20:55:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لجنة تحقيق للتطويق والتوفيق.. بلا تلفيق!

  مصر اليوم -

لجنة تحقيق للتطويق والتوفيق بلا تلفيق

بقلم : حسن البطل

أيام في مجرى الأسبوع، ستفرغ لجنة تحقيق أخرى، ثلاثية الأركان، من تقديم تقريرها ثلاثي الأركان، بيروقراطية القضاء في قضية الشهيد باسل الأعرج؛ عنف الشرطة في فضّ مظاهرة احتجاج؛ دور محتجين في هتافات الاستفزاز السياسية والأخلاقية.

ظاهرياً، يبدو تشكيل اللجنة متوازناً: لواء هو وكيل وزارة الداخلية، مدير عام الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، نقيب المحامين.
هذه ليست أول لجنة تحقيق في صدام آخر بين جهاز مكافحة الشغب، وجانب من جمهور في مظاهرة احتجاج، فما سبقها من لجان تحقيق لم تحقق تعادلاً بين ثلاثة أركان: تلفيق، توفيق وتطويق.

في جذر المسألة أن الجمهور يتطلع ويريد من سلطته أن تكون حسنة الأداء في مهام دولة سيدة لمؤسساتها السياسية والأمنية والقضائية ـ القانونية.
لكن هذا التوازن في الأداء غير متحقق على الوجه الأمثل، لا في دول الجوار العربي، ولا في إسرائيل المدعية أنها ديمقراطية "فيللا في غابة" أو حتى دول عريقة في الديمقراطية.. مثل أميركا!
في السنوات الأولى من حقبة سلطوية فلسطينية، صرفت الدول المانحة أموالاً لإعداد وتدريب وبناء جهاز أمني وقضائي سلطوي فلسطيني يراعي تطبيق أجهزة الأمن لحقوق الإنسان، والجهاز القضائي للعدالة في أحكامه.

في الواقع، تحقق في البناء السلطوي ـ القضائي أمر واحد متحقق في الدول الأوروبية، وهو حظر إنزال عقوبة الإعدام في الجرائم الجنائية، وكذا في الجرائم السياسية ـ الوطنية، مثل العمالة الأمنية للاحتلال، أو سماسرة بيع وتسريب الأراضي لصالح الاستيطان اليهودي.

طيلة حكم الرئيس المؤسس صادق على أربعة ـ خمسة أحكام لتنفيذ عقوبة الإعدام، كلها أو معظمها تحت ضغط هياج الشارع.
في حكم الرئيس الثاني، الممأسس، لم يصدر ولم ينفذ حكم إعدام واحد، مع استثناء أحكام إعدام صدرت ونفذت من جانب سلطة "حماس" واعتبرت غير شرعية لأن الرئيس لم يصادق عليها.

حتى زمن "القضاء الثوري" لمنظمة التحرير، لما كانت في المنفى، كان تنفيذ عقوبة الإعدام أقل بكثير من سائر حركات التحرر الوطني.

إذا كان جهاز "الكفاح المسلح" لمنظمة التحرير هو بمثابة شرطة عسكرية للفصائل، وشرطة قضائية للجمهور، فلم يشهد حالات قمع لاحتجاجات الجمهور.
آنذاك، كانت "لجان تحقيق" لصدامات بين منتسبي الفصائل تنتهي أحكامها إلى التطويق والتوفيق.. وشيء كبير من التلفيق.

أذكر هياجاً شعبياً لبنانياً ضد المنظمة، والفدائيين والفلسطينيين، بعد حادثة اغتصاب نفذها فدائيون في فصيل جرت في جبال الشوف وكانت الضحية سيدة مجتمع لبنانية معروفة.
المجرم المغتصب لاقى مصرعه في اشتباك مع جهاز "الكفاح المسلح".
رجال الكفاح المسلح تحولوا، بعد أوسلو، إلى جنود قوات الأمن الوطني ورجال شرطة، وجهاز الأمن الفصائلي صار جهاز الأمن الوقائي لخريجي الانتفاضة الأولى.
الآن، لا يشكل العائدون، بعد أوسلو، سوى "أقلية في الجهاز الحكومي ـ السلطوي ـ الإداري، وكذا في ضباط الأمن الوطني، وكل جنوده، أيضاً، من أهل البلاد.
"القضاء الثوري" صار قضاءً مدنياً محلياً مثقلاً بإرث معقد من قوانين سابقة على تشكيل السلطة الوطنية، وتعامل مع قضية الشهيد باسل الأعرج وفق بيروقراطية فتح قضية سابقة وإغلاقها بعد استشهاده.

هذا لم يُرض الجمهور المحتج، وسلوكه في التجمهر وقطع الطريق، وبالذات صراخه وهتافاته الجارحة، سياسياً وأخلاقياً، التي استفزت رجال الشرطة، وتم فض الاحتجاج بالقوة، وتوقيف بعض المحتجين، وإطلاق سراحهم في اليوم ذاته.

في اليوم التالي، وبعد تشكيل لجنة تحقيق ثلاثية، لم يحصل احتكاك واشتباك في تجمهر ثانٍ وسط المدينة.. ومن قبل، في إضراب المعلمين الطويل.
لا بأس بمقارنة بين "ديمقراطية غابة البنادق" في بيروت، واحتجاجات الشعب وصداماته مع أجهزة السلطة.

كان هناك في كوادر ومقاتلي الفصائل من المثقفين من شكل جماعة "الرصيف" التي أصدرت نشرة صحافية ضد م.ت.ف وسياستها وإدارتها وأجهزتها، وكان نقدها جذرياً ولاذعاً وساخراً بأسلوب شعري وثقافي.. لكن، إبّان الاجتياح الإسرائيلي كان رجال "الرصيف" جنوداً بالسلاح والكلمة والصحافة دفاعاً عن م.ت.ف (مثال: علي فودة).
في تلك المرحلة لم تكن هناك إضرابات مطلبية أو احتجاجات جماهيرية.. ولا رجال حفظ النظام العام والقانون.. ولا محاكم مدنية مختلفة الدرجات، ولا هيئات حقوق المواطن، ولا فصل بين السلطات، ولا انتخابات تمثيلية للشعب.

نعم، كانت خلافات فصائلية لم توفر اتهامات الانحراف والتخوين ضد القيادة، وانشقاقات مسلحة وصدامات فصائلية مسلحة.
الآن، سلطة الثورة غير سلطة الشعب، وحكم شعب على أرض غير حكم لاجئين وثوار في المخيمات.
القضاء المصري هو الأعرق عربياً، لكن محاكمة الرئيس مبارك خلال سنوات، انتهت من الإدانة والتجريم في مسائل معينة إلى البراءة في مسائل معينة. هو ابن الجيش والجيش يحكم!
لا يستطيع الشرطي في السلطة الفلسطينية أن يتمتع بروح رياضية، كما في حالة "نطحة" اللاعب زين الدين زيدان لزميله في الفريق الآخر "سبّ أخته" وليس بأقذع، أخلاقياً وسياسياً، من سباب قسم من الجمهور للسلطة.

يمكن أن القضاء أظهر "بلادة" قانونية معينة، والشرطة أظهرت عنفاً في القمع، والجمهور أطلق سباباً قاسياً، سياسياً وأخلاقياً.
لكن، لجنة التحقيق الحالية لن تكون الأخيرة، لأن الثورة حديثة العهد بتقاليد السلطة المدنية؛ والشعب حديث العهد في العيش تحت ظل سلطة وطنية، ونأمل من لجنة التحقيق أن توازن بين التوفيق والتطويق، وأن تبتعد ما أمكن عن التلفيق.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لجنة تحقيق للتطويق والتوفيق بلا تلفيق لجنة تحقيق للتطويق والتوفيق بلا تلفيق



GMT 01:04 2023 الجمعة ,23 حزيران / يونيو

أين واجبات الإنسان؟

GMT 03:37 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

العالم وحقوق الإنسان

GMT 00:00 2022 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

الخيال الخصب والرؤية البعيدة

GMT 17:36 2022 الجمعة ,02 أيلول / سبتمبر

حقوق الإنسان كقضية عالمية!

GMT 04:26 2022 الخميس ,16 حزيران / يونيو

حقوق الإنسان والضحكات المريضة!

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:31 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

التعادل السلبى يحسم مباراة تشيلسي وايفرتون

GMT 04:44 2018 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان يصل إلى السعودية

GMT 11:41 2018 الثلاثاء ,17 تموز / يوليو

شيرين رضا تكشف سعادتها بنجاح "لدينا أقوال أخرى"

GMT 09:36 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

دراسة تنفي وجود "مهبل طبيعي" لدى النساء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon