حسن البطل
تحرّرت العربية من "المنفلوطية" (السجع، الجناس، المحسّنات البديعيّة). لكن السياسة العربية لم تتحرّر من الخطابيّة السياسيّة (الشعاراتيّة) البليغة.
هذا يقضي على بعض ما ورد في مقالة أوري أفنيري ("الأيام"، أمس، الأربعاء)، حيث ألقى باللائمة على لغة الشعارات العربيّة وبلاغة لغة الضّاد "إنها لغة جميلة، قادرة على أن تجعل المتحدّث ثملاً بسهولة". هكذا تحدث عن فلسطين، خطاب ناصر العروبي، وخطاب "فتح" الفلسطيني في بداياته خاصة، والآن "خطاب الجهاد" الإسلامي حول فلسطين وما يتعدّاها (لأقتله وليدخلني الله به الجنة)!
لا جديد، منذ قال النبي العربي "إن من البيان لسحراً"، وفي سياسة اليوم يقيسون "الأقوال" بـ "الأفعال"، أو كما قال شارون: "ما يرى من هناك (المعارضة) لا يرى من هنا (الحكومة)، ولا يستطيع "خطاب الدولة" الفلسطيني الواقعي الانفكاك عن "خطاب العودة"، ولا خطاب "دولة إسرائيل" عن خطاب "أرض إسرائيل". نحن وإياهم نقول: "من النهر إلى البحر" سوى أنهم يقولون "من البحر إلى النهر"!
بدأت بلوم العربيّة الخطابيّة، وليس بلوم قواعدها، مع أن هناك شيئا من الرياضيات فيها. لأن "الجمع السالم" (مُعلّم/مُعلّمون) غير "جمع التكسير" (أستاذ/أساتيذ).
***
هل هناك منطق رياضي (لغوي؟) في انتخابات الكنيست الـ 19 الوشيكة، أي منذ أن صارت "الكتلة" في تحالفاتها مكان "الحزب" كما حصل في الكنيست 18؟
كراسي الكنيست الـ 120 كأنها لعبة كراسي موسيقية بين أحزابها التاريخية وتلك الموسمية.. تاريخياً تدور بين "الليكود" على تغير مسمّياته، و"العمل" على تغيّر مسمّياته. عندما جمع شارون جمع تكسير بين أشتات الليكود والعمل في الكنيست 17 و18 تمزّقت الأشتات في الكنيست 19 (من 28 مقعداً إلى مقعدين متوقعين).
ماذا عن تحالف الليكود ـ إسرائيل بيتنا؟ كان له في الكنيست السابقة 27 + 15 مقعداً = 42 مقعداً، لكن بعد جمع التكسير بين الحزبين يتوقعون له 35 مقعداً؟
صحافي شاطر إسرائيلي قال قاعدة انتخابية ـ رياضية وهي 1+1 = 2 رياضياً، لكنها انتخابياً كالتالي: 1 + 1 = 1,5. المعنى؟ باستثناء ثبات نسبي للأحزاب العربية 4 + 4 + 3 = 9 ولحزب يهودوت هاتوراه 5 – 6 مقاعد دائمة، فإن باقي الأحزاب التاريخية تتذبذب مقاعدها، وكذلك الأحزاب الموسمية كالفطر و(هناك ثلاثة أحزاب موسمية تخوض الانتخابات، وهي: البيت اليهودي (نفتالي بينيت) المتطرف وضابط النخبة "سييرت متكال" والحركة (تسيبي ليفني)، ويوجد مستقبل (يائير لبيد) الحليوة والفارغ!
حزب السلام الرئيسي، ميرتس، يخضع للتذبذب من 12 مقعداً في حكومة رابين الأخيرة إلى 3 مقاعد في الكنيست الحالية، إلى 4 مقاعد متوقعة في الكنيست 19 الوشيكة.
هذه انتخابات نتيجتها متوقعة سلفاً، أي حكومة برئاسة نتنياهو للمرة الثالثة (الأولى 1999 والثانية 2009) لكن نسبة التصويت ستكون ربما الأقل، سواء يهودياً 63% أو عربياً 50%.
في انتخابات "الليكود" الداخلية "كسر" الحزب نحو اليمين بفوز جناح فايغلن المستوطن المتطرف على "أمراء الليكود" وفي تحالفات "الليكود" كسر مرة أخرى نحو يمين ـ اليمين بتحالفه مع "إسرائيل بيتنا"، ويطالبون في "الليكود" بإسقاط "خطاب بار ـ إيلان" عن الدولتين، ولا يجرؤ حزب إسرائيلي على طرح برنامج سلام سياسي سوى حزب "ميرتس"، بينما تتجنب زعيمة "العمل" شيلي يحيموفتش الموضوع السياسي إلى الموضوع الاجتماعي ـ الاقتصادي!
لا يعتبر زعيم الليكود أن أحزاب الوسط ـ اليمين تشكل تحدياً حقيقياً له، إنما يعتبر حزب "البيت اليهودي" الأكثر تطرفاً من "الليكود ـ بيتنا" هو التحدي، لأنه "يشفط" منه المقاعد رغم حمأة استيطانية أطلقها زعيم الليكود، وقد يحلّ هذا الحزب الذي يطالب بضم المنطقة (ج) في الضفة في المركز الثالث، ويجبر نتنياهو إمّا على التحالف الائتلافي معه، أو التحالف مع حزب ليفني ويائير لبيد (10+9 مقاعد على التوالي) وربما التحالف مع حزب "العمل" (17 مقعداً متوقعاً).
أمام زعيم له كتاب "تحت الشمس ـ هَشَمْس تحتون" فرصة ثالثة وأخيرة ليجد له مكاناً بين قادة إسرائيل الكبار، لكنه سيهدرها على الأرجح إن اختار تحالفاً مع "إسرائيل بيتنا" و"البيت اليهودي".
إنه "يجعجع" حول إيران، لكن التحدي سيكون حول "دولتين لشعبين".
إسرائيل "تكسر" نحو اليمين، وليس أحزابها فقط، والمعركة حول مصير فلسطين ستضع إسرائيل أمام المفاضلة بين: الصهيونية، اليهودية، و"الإسرائيلية"!
مصير فلسطين يرسم مسار إسرائيل.. وربما بالعكس. نهر ـ بحر أو بحر ـ نهر؟!
نقلاً عن جريدة "الأيام"