توقيت القاهرة المحلي 20:55:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

رواية من «عمر الأسى ما انتسى..»

  مصر اليوم -

رواية من «عمر الأسى ما انتسى»

بقلم : حسن البطل

من معطف غوغول خرج الأدب الروسي، على ما يقول أديب روسي من «أعمدة الأدب».. فهل تخرج الرواية الفلسطينية «من معطف النكبة»؟
هذا سؤالي، الوجيه لا النقدي، بعدما قرأت رواية «جفاف الحلق» لغريب عسقلاني. وفي طياتها اكتشافات تاريخية كنت أجهلها، مثل ان المهاتما غاندي زار مجدل عسقلان، «وتوقف طويلاً عند النساجين، وضم مغزله الى صدره وربّت على ظهر عنزته»؟ اذا كان «الاكتشاف صحيحاً، سأفهم لماذا قال غاندي: «فلسطين عربية كما هي بريطانيا انكليزية».

نضع الكشف التاريخي جانباً، فان رواية نكبة عسقلانية تكمّل روايات النكبة الكثيرة، وتمتاز عليها بأنها تسجل تجربة «اللجوء من فلسطين الى فلسطين»؛ وتجربة عائلة نساجين عسقلانيين ضربت جذورها المقتلعة، وأعادت إحياء مهنة عائلية.. وواكبت تحولات صناعة النسيج الحديثة، القادمة من مصر.

الاكتشاف الثالث يتعلق بأديب فلسطيني يبرع في وضع المفردة في مكانها الملائم من الجملة؛ وهذه في مكانها الملائم من الفقرة، وتلك في سياقها الروائي الملائم. ثمة اكتشاف رابع، في مقدرة فريدة لغريب عسقلاني (ابراهيم الزنط) على مزج أسلوبه اللغوي - الروائي، السلس والعميق، بالمفردة المحكية، بل والعبارة، والامثلة السائدة. هذه لغة عربية، ولغة روائية البناء..  
وايضاً لغة عربية حسب مفردات وصياغات اللسان العسقلاني. انه «لسان مدن» من جهة؛ لكنه، ايضاً، «لسان بدو» صقل المفردة والعبارة، وكاد يجعل اللهجة لغة.

العسل الشهي يطبخه النحل من غبار الطلع.. وتشعر ان هذا «الغريب العسقلاني» مثل نحلة، او ان قراءاته الأدبية، الوافرة والمتشعبة كما يبدو، جعلت لعسل روايته شيئاً من مذاق وشذى أزاهير الروايات العالمية الكلاسيكية، الروسية واللاتينية.. وحتى العربية، لأنني «أحسست» مثلاً، انه لم يوفر، ربما، ثلاثية نجيب محفوظ الشهيرة.

فهمت نواحي من تاريخ غزة من نكبة اللجوء الى نكسة حزيران، بفضل هذه الرواية، وكذا التحولات الاجتماعية، العادات والتقاليد.. وبدايات وجذور الحركات الفدائية الاولى (التسلل الى عسقلان) كما الحركات السياسية.. صعود وانهيار «الأمل الناصري». هناك رواية النكبة من تجربة المنفى العربي، او من تجربة «المنفى الداخلي» في الجليل، او من تجربة اللجوء الى الأراضي الفلسطينية (الضفة والقطاع). مقطع عمودي للشعب ومقطع أفقي للمكان.. ورؤية بانورامية للزمن. ربما تُحسن وزارة الثقافة الفلسطينية، لو صدّرت سلسلة من «روايات النكبة»، او انتقت «مجموعة واحدة» من ثلاث روايات تجسد ثلاث تجارب عايشها الروائيون الفلسطينيون.
«عودة خليل» احدى الشخصيات المركزية في الرواية، لم يعد.. لم يعش، ولم يمت ميتة طبيعية. لكن، عندما كان «عودة» صغيراً، كان شريك الحلم في العودة. هاكم جزءاً من الحلم: «نشتاق ليوم العودة الموعود، كل الناس فيها أغنياء، وكل الرجال اعضاء، وكل النساء جميلات فاتنات عاشقات.   
«اعتقد ان يوم العودة الموعود وثيق الصلة بصديقي خليل عودة، المجدلي مثلي، واعتقدت انه الأحق منا جميعاً بالعودة التي يعرف دروبها عن جده عودة، لا يثنيني عن اعتقادي معلم الحساب الذي يشفشف كفي عودة بالخيزرانة حتى تصبحا في لون البندورة المفعوصة، تفزّ عيناه، تبقّان دمعاً مثل حنفية، وقبل ان يفهق يتوقف الاستاذ عن ضربه.. يداعبه فاقداً الأمل منه: - والله لن تفهم الحساب يا عودة حتى يوم العودة. «وكنت أتخيل يوم العودة، فتبرز أمامي معضلة موقعه بين الأيام، فهو بلا شك يختلف عن الأيام السبعة، ووصلت الى حل مريح مفاده ان أسبوع المواطنين سيظل سبعة أيام، أما أسبوع اللاجئين فيكون ثمانية أيام يبدأ بيوم العودة (..) وكنت أوغل في التوصيف، فأرسمه يوماً محايداً تختفي فيه المواقيت والمواعيد ليس فيه ليل ولا نهار، ولا ينتمي الى نور او ظلمة، ولا يخضع لصيف او شتاء لأن الله خلقه خلقاً مختلفاً..».
ليس في رواية «جفاف الحلق» سوى هذا الحلم الطفولي الوحيد الذي يمزج العودة بنعيم الجنة.. لكن الطفل، الذي مثل فرخ بلا زغب، ستكتوي أجنحته بنار حربي 1956 و1967، لتكون هذه الرواية النكبوية سؤالاً يحال الى أسطورة نهوض العنقاء من الرماد والدمار.
لوعة الهوى موجودة: «عن جواد القوّيل الدبّيك اللوّيح الذي يرقّص بشكيراً يغسله عرقاً وعافية: «لطش منديل وبأطرافو لواهن «وسبع ضلوع في قلبي لواهن «حُرمت النوم يا لاحق هواهن «هدّوني البيض وعيون المها» حرقة النكبة موجودة: «عمر الأسى ما انتسى وانتو أساكو زاد».

المصدر :صحيفة الايام
 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رواية من «عمر الأسى ما انتسى» رواية من «عمر الأسى ما انتسى»



GMT 15:22 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

الفشل الأكبر هو الاستبداد

GMT 15:21 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

حافظ وليس بشار

GMT 15:17 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

سلامة وسوريا... ليت قومي يعلمون

GMT 15:06 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

التسويف المبغوض... والفعل الطيِّب

GMT 15:05 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

نُسخة مَزيدة ومُنَقّحة في دمشق

GMT 15:03 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

الشهية الكولونيالية

GMT 15:01 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

البحث عن الهوية!

GMT 13:05 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

عودة ديليسبس!

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:31 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

التعادل السلبى يحسم مباراة تشيلسي وايفرتون

GMT 04:44 2018 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان يصل إلى السعودية

GMT 11:41 2018 الثلاثاء ,17 تموز / يوليو

شيرين رضا تكشف سعادتها بنجاح "لدينا أقوال أخرى"

GMT 09:36 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

دراسة تنفي وجود "مهبل طبيعي" لدى النساء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon