حسن البطل
لا بأس أن نلضم بعض حبّات الخرز الصحافية بخيط قصير.. للوصول إلى تحوّلات صحافية محلية، عالمية.. وإسرائيلية.
1 ـ من بين كمشة ـ كمشتين من متدربي معهد الإعلان ـ جامعة بيرزيت، علمتُ من صديقي أن واحدة فقط ستمتهن التحرير الصحافي.. والبقية لمهن صحافية مساعدة أو رسائل إعلامية غير صحافية ـ ورقية (تلفزيون ـ إذاعة).
2 ـ أترك جريدتي في المقهى صباحاً، وفي الصباح والمساء ألحظ أن قلة من الرواد تقرأ صحيفتي وصحيفة أخرى.. بينما 4-6 رواد يتصفحون اللاب ـ توب. بالطبع، واحد أو اثنان يقرؤون كتاباً، والبقية يدخنون الأرغيلة، أو يلعبون الورق.. أو يتابعون التلفزيون!
3 ـ كانت بريطانيا بلد الصحافة الورقية المطبوعة، وخلال عشر سنوات، لاحظت أن معظم ركاب القطارات انصرفوا إلى أحدث موديلات الهاتف المحمول، وقلة إلى الصحف المجانية.. وأخلافها إلى صحف شهيرة ("الغارديان" ـ "أوبزورفر") وواحد فقط يقرأ "فايننشال تايمز"!
كم هذا بعيد عن زمن صحافي قال فيه لينين عن صحيفة "الايسكرا" أنها مثل "منفاخ حدّاد".. إلى زمن تحوّلت فيه "نيوزويك" إحدى مفاخر الصحافة الأسبوعية الأميركية، إلى الصحافة الإلكترونية، بدءاً من أول العام الجديد 2013.. بينما احتجبت مجلة "لايف" المصورة!
التحول من الورقية إلى الإلكترونية وجه واحد من تحولات صحافية كبرى، والوجه الآخر هو "الاحتجاب".. والثالث هو سيطرة رأس المال الاستثماري أولاً، ثم اليميني على ما كان أمهات الصحف.
في عمود يوم 3 الشهر الجاري، عددت ما استطعت من أسماء الصحف الإسرائيلية المحتجبة، وهي سبع صحف يومية متعددة المشارب السياسية، لكن منذ وقت قريب صارت صحيفة "إسرائيل هيوم" اليمينية المجانية المقربة من نتنياهو في طليعة صحف إسرائيل المركزية ـ اليومية الأربع: "يديعوت أحرونوت"، "هآرتس"، "معاريف".. وهذا من حيث نسبة التوزيع.
كانوا يتحدثون عن "ملوك" الصحافة العالمية من الأثرياء اليهود، وصاروا يتحدثون عن "مموّلي" الاستيطان اليهودي من الأثرياء اليهود.. والآن، هيمن اليمينيون على صحيفة "معاريف" التي اشتراها المموّل شلومو بن ـ تسفي، صاحب صحيفة يمينية ثانوية تدعى "ماكور ريشون"، والمقيم في مستوطنة "أفرات" (كما الوزير ليبرمان مقيم في مستوطنة "نوكديم")!
المحكمة أبرمت الصفقة، وتعهد المشتري أن لا يهضم سريعاً حقوق العاملين الـ 1600، لكن 400 موظف سيفقدون أعمالهم، فيما يبدو صفقة تجارية، لكن لها مغازي سياسية وأيديولوجية. لماذا؟
كانت "معاريف"، أي المساء أو المغرب، معروفة أنها صحيفة يمين ـ وسط، أو صحيفة "المركز" والمركز السياسي في إسرائيل يتلاشى، وأسرع منه تتلاشى أحزاب اليسار العلماني والصهيوني.. وينجرف الرأي العام الإسرائيلي إلى اليمين الديني، والقومي.. والفاشي!
ليس بلا دلالة أن تبرم صفقة بيع "معاريف" إلى يميني ـ مستوطن، مع تحولات سياسية ـ أيديولوجية ـ دينية أخذت "تستوطن" المجتمع الإسرائيلي، كما أظهر استطلاع نشرته "هآرتس"، أول من أمس، وعلّق عليه أحد أبرز كتّاب الصحيفة اليساريين، جدعون ليفي (تجدون نصه ونص التعليق في "بانوراما الصحافة" في "أيام"، أمس الأربعاء، وخلاصته أن 42% إلى 69% من الشعب الإسرائيلي يُقرُّون بوجود تمييز وفصل عنصري (أبارتهايد) في إسرائيل أو "الترانسفير" أو يعارضون إعطاء فلسطينيي الضفة حق الاقتراع في حال "دولة واحدة"!
كاتب صحافي إسرائيلي آخر، كان قد لاحظ أن معسكر اليسار في أحزاب إسرائيل لا يضم سوى حركة "ميرتس" والأحزاب العربية، وأن حزب "العمل" يميل لليمين، وأن "كديما" حزب يميني أصلاً، و"الليكود" أكثر يمينية و"إسرائيل بيتنا" يمين فاشي، والخلاصة: الكل تقريباً يقول: إسرائيل يهودية وديمقراطية، لكن يهودية أولاً قبل أن تكون ديمقراطية، أو ديمقراطية لليهود فقط!
انتخابات الكنيست 19 في كانون الثاني القريب لن تفرز حقائق سياسية وحزبية تخالف الصورة اليمينية ـ الفاشية ـ العنصرية للمجتمع الإسرائيلي، ولسيطرة اليمين على الصحافة الإسرائيلية.
السلام البعيد يبتعد أكثر! وفلسطين بين يمين عربي إسلامي ويمين يهودي، كأنها بين فكي كماشة.
نقلاً عن جريدة "الأيام" الفلسطينية