حسن البطل
السبت لراحة الرب، تقول الأسطورة، وأول ثلاثاء من نوفمبر لانتخاب رئيس الولايات المتحدة، نترك الأساطير للكتاب المقدس، لكن الأميركيين محّصوا أيام الأسبوع السبعة، واختاروا أول ثلاثاء نوفمبرية، لأسباب بدت في أوانها طريفة وعملية معاً، أذكر واحداً منها: "الجكارة" في تجنب الانتخاب في يوم كان يصادف ميلاد إحدى ملكات بريطانيا! وأسباباً أخرى منها يوم العطلة الأسبوعية، ويوم عودة بورصة وول ستريت للعمل.. ويوم حصاد موسم ما!
عادة، يقول الأميركيون "الثلاثاء الكبيرة" لأنها خلاصة حملة انتخابية تسبقها بعام كامل، ونوفمبر هو الشهر الكبير لفلسطين، أيضاً، لا بسبب الانتخابات الأميركية فقط، لكن الفلسطينيين أعلنوا وثيقة الاستقلال في 15 نوفمبر، الذي كان يوم التضامن العالمي مع فلسطين".. وبالذات، لأن قرار تقسيم فلسطين صدر في 29 نوفمبر. إذاً نوفمبر الكبير الأميركي، هو أيضاً، نوفمبر الكبير الفلسطيني، ووثيقة إعلان الاستقلالين الأميركي والفلسطيني كانتا من نوع "الاستقلال يؤخذ ولا يُعطى". جورج واشنطن هناك، وياسر عرفات هنا!
الآن، في نوفمبر الكبير، هناك باراك أوباما (أو ميت رومني) وهنا محمود عباس. الأول يعارض، حتى الآن، رفع مكانة فلسطين في الأمم المتحدة (نهاية الاحتكار الأميركي لعملية السلام؟)، والثاني ينتظر ما تسفر عنه انتخابات "الثلاثاء الكبيرة" ليختار يوم إعلان وثيقة الاستقلال، أو يوم قرار التقسيم للتصويت في الجمعية العامة.
عصفور باليد أو عشرة على الشجرة، دولة غير عضو بالتصويت، أو دولة عضو بالمفاوضات؟ يقول عباس الآن، في رسائل أخيرة إلى قادة الدول، إننا سنذهب للمفاوضات تواً بعد التصويت، لأن سلطة تحت الاحتلال غير دولة تحت الاحتلال؟
يوم الثلاثاء 30 أكتوبر، أي قبل الثلاثاء الكبيرة في 6 نوفمبر، نشر صائب عريقات، رئيس دائرة المفاوضات، ورقة عن "اليوم التالي" بعد حصول فلسطين على مكانة "دولة غير عضو ("الأيام"، أول من أمس، الثلاثاء).
الذين سخروا وهزئوا من صائب، لمجرد عنوان كتابه "الحياة مفاوضات" لم يعقبوا بعد على ورقة تحدد التوقعات؛ الإيجابيات المحتملة لفلسطين والسلبيات المحتملة عليها من جانب أميركا وإسرائيل.
قرأت الورقة مرتين، وهذه أصعب خطوة سياسية في أصعب حملة، منذ تأسيس السلطة الفلسطينية بعد مفاوضات أوسلو، وإعلان اتفاق المبادئ، لأن واشنطن اختارت أن تكون "الدرع السياسية" لإسرائيل في الجمعية العامة، بل وتهددها برفع "الدرع المالية" عن المنظمة الدولية (أميركا تموّل الأمم المتحدة بـ 23% من ميزانيتها)، ومن ثم فهي ستعاقب السلطة مالياً وسياسياً، وقد تعاقب الأمم المتحدة مالياً.
هناك فيلم هوليوودي مشوّق عن "اليوم التالي".. ولكن بعد حرب كونية نووية، وبداية "شتاء ذري" على كوكب الأرض، لكن "اليوم التالي" للتصويت قد يُدخل السلطة في "شتاء سياسي" و"قحط مالي" معاً.
في اعتقادي، أن روسيا وبعض دول الاتحاد الأوروبي ستقترح على الفلسطينيين والجمعية العامة تأجيل التصويت نصف سنة أخرى، كما فعلت في تصويتات "اليونسكو" على خمسة مشاريع قرارات فلسطينية.
هذا سيعطي الولايات المتحدة مهلة مدتها نصف عام لتقرر الإدارة الأميركية الجديدة، بعد ترتيب أمورها، قبول الدعوة الروسية القديمة لعقد مؤتمر دولي في موسكو على غرار مؤتمر مدريد 1992، للنظر في الاعتراف باستقلال فلسطين، إذا لم تثمر المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية عن شيء سياسي مهم.
تقول بعض دول الاتحاد الأوروبي إن تصويتها سيكون تبعاً لـ "صياغة" مشروع القرار الفلسطيني، ورئيس السلطة بعث برسائل لرؤساء الدول تقول إن المفاوضات ستبدأ بعد التصويت، وإن التصويت "ليس خطوة أحادية الجانب" (علماً أن وثيقة إعلان استقلال أميركا ووثيقة إعلان استقلال فلسطين كانتا خطوة أحادية الجانب)!
في تقدير وزير خارجية السلطة فإن مشروع القرار المقترح سيفوز بأصوات الثلثين الضرورية، أي 132 صوتاً، لكن تأجيل التصويت نصف عام قد يرفع عدد الدول المؤيدة إلى 170 دولة. فلسطين تجنّد تصويت دول "نوعية"!
نتنياهو حدد موعد الانتخابات الإسرائيلية بعد الانتخابات الأميركية، وقبل استلام الرئيس الفائز سلطاته، والفلسطينيون حددوا موعد التصويت بعد الانتخابات الأميركية وقبل أو بعد الاستلام والتسليم، حسب الرئيس الفائز.
الشعب الفلسطيني في "شارد" وسلطته في "وارد".
نقلاً عن جريدة "الأيام" الفلسطينية