حسن البطل
سأل سائل على صفحته في "الفيسبوك" سؤالاً لاذعاً: أين هو الممثل الشرعي والوحيد (م.ت.ف) من محنة الفلسطينيين في سورية، أو الفلسطينيين السوريين؟
واحد آخر على صفحته في "الفيسبوك" لاحظ ملاحظة لاذعة؛ إذا سألت الفلسطيني في سورية .. من أنت؟ لربما قال لك: فلسطيني سوري. لكن، إن سألت الفلسطيني في لبنان: من أنت .. لقال لك: فلسطيني في لبنان.
لربما سيقولون لك في الأردن: أردني من أصل فلسطيني، أو لاجئ فلسطيني من غزة يقيم في الأردن. الأجوبة تختلف في كل بلد عربي.. إلا في فلسطين السلطوية، وكان أميل حبيبي قد غضب من نعت "عرب اسرائيل" وحتى "عرب ١٩٤٨".
هل تعرفون متى ولماذا سقطت اوسلو في نظري؟ عندما لم يجد فلسطينيو العراق في ضائقتهم ملجأ لهم في دول الجوار العربي .. ولا حتى في فلسطين السلطوية، بينما تعتبر اسرائيل نفسها "دولة اليهود" في الضائقة وغير الضائقة.
هناك خلط مفهوم بين أن "م.ت.ف" هي الممثل السياسي الشرعي لأهداف الشعب الفلسطيني، وبين أن تكون حكومة هذا الشعب في البلاد والشتات.
نازعت دول عربية عدة مسألة التمثيل السياسي للفلسطينيين اللاجئين إليها، إما لأنهم عرب، وإما للنزاع العربي - العربي حول قضية فلسطين و"تحريرها"، وحتى بعد تكريس المنظمة ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني في قرارات قمة الرباط ١٩٧٤، فإن "منطق الدولة" القطرية و"منطق الثورة" الفلسطينية جعل الممثل الشرعي الفلسطيني يخوض حروباً أهلية .. وأين بالذات؟ في دول اللجوء الفلسطيني الرئيسية، وهي بشكل رئيسي وحاسم، ما كان دول الشام.
كانت الحرب الأهلية اللبنانية وذيولها ربما، خاتمة مرحلة من الحروب الأهلية الفلسطينية - العربية، وكانت اتفاقية اوسلو بداية مرحلة أخرى، فقد اعترفت اسرائيل بالمنظمة، ولكن باستثناء "عرب اسرائيل" مهضومي الحقوق القومية، ولو تمثلوا في برلمانها.
في بقية دول اللجوء العربية ببلاد الشام لا يتوفر في برلماناتها تمثيل فلسطيني، بدعاوى الحفاظ على "الشخصية الفلسطينية" ولكن لأسباب أخرى أيضاً.
بعد الحروب الأهلية الفلسطينية - العربية في الأردن ولبنان التي انخرط فيها الفلسطينيون هناك لسبب أو لآخر، جاء دور سورية لتتذوق الكأس المرة، وليحاول أطراف النزاع السوري توريط الفلسطينيين فيها، رغم أن مصلحتهم هي الوقوف على الحياد نظرياً. لكن، إن انخرط إسلاميون من دول عربية وغير عربية في النزاع، وتدخلت فيه دول جوار إقليمية وحتى دولية، فكيف في مقدور الفلسطينيين الوقوف على الحياد.. وهم تقريباً، من "أهل البلد".
للوجود الفلسطيني في سورية خصائص لا تتوفر في أي بلد لجوء عربي، فهم منتشرون بين ظهراني الشعب السوري الشقيق، كما أن "مخيماتهم" ليست أبداً "غيتوات" مغلقة عليهم، ومخيم اليرموك، أكبر المخيمات الفلسطينية في دول اللجوء، ليس مخيماً بل "حي مدني" من أحياء العاصمة دمشق، وسكانه ليسوا جميعاً فلسطينيين، ولا حتى في أغلبيتهم سواء في قلب المخيم أو في أطرافه، فهو ليس "غيتو"، ولجوء طال أكثر من ٦٠ سنة جعل الامتزاج والتلاحم والزيجات المشتركة تنتج شعباً سورياً - فلسطينياً.
بعد الحروب الأهلية في الأردن ولبنان، وجد اللاجئون الفلسطينيون مقر إقامة لهم مؤقتاً أو دائماً في سورية التي فتحت ذراعيها لهم، وللبنانيين والعراقيين أيضاً.. لكن الحرب الأهلية السورية هي الأصعب على السوريين والفلسطينيين معاً، لكنها تطرح على الفلسطينيين سؤالاً: أين المفر؟ أين بلد اللجوء من اللجوء.
كان الصدام في غزة نوعاً من حرب أهلية فلسطينية قصيرة، وكان أيضاً تحدياً لكون م.ت.ف ممثلاً شرعياً وحيداً .. لكن، في سورية، هناك من يقاتل ضد النظام ومحسوب على الفلسطينيين، وهناك من يقاتل ضد الثوار وهو محسوب على الفلسطينيين.
لا تستطيع المنظمة شيئاً، سوى إغاثة الفلسطينيين والسوريين أيضاً بما تيسر من إمدادات الغذاء والدواء، ومناشدة النظام والثوار أن يتركوا الفلسطينيين دون توريط في صراعهما.
الصراع السوري هو أخطر ما تعرض له الفلسطينيون في دول اللجوء، سواء انتصر الثوار أو انتصر النظام، مع أن "المؤامرة" هي أن لا ينتصر لا هذا ولا ذاك.. وإنما تنهار سورية، ومعها قد ينهار الملجأ العربي الأقل سوءاً من بقية دول اللجوء.
صدق من قال: الفلسطينيون يهود العالم العربي .. إلى أن يكون لهم دولتهم.
نقلاً عن جريدة "الأيام"