حسن البطل
تقريباً، "طالع ديني" من موجة انفلونزا هي شيء من قنوط وحبوط وهبوط تسود صفوفنا. مثلاً، منذ سنة وشوية شهور والقيادة تدرس خطوات طلب العضوية. لا بأس أن نتردّد ونتأنّى، لكن ليس أن نسأل: ما قيمة هذه الخطوة!
إسرائيل، منذ قرابة العقدين، وهي تدرس توجيه ضربة إجهاض للمشروع النووي الإيراني، وهي تتردّد وتتأنّى، أيضاً. وهناك، يتساءلون: ما جدوى الضربة في تأخير المشروع أو حثه عملياً.
من القنوط والحبوط والهبوط أن يتساءل البعض منا عن جدوى السلطة وحتى الدولة، بل والمشروع الوطني، مع السخرية من شعار "لا وصاية، ولا احتواء ولا تبعية" والذهاب إلى خيار الذوبان الفلسطيني بإسرائيل تحت عباءة الدولة الواحدة. لا تنازل عن عودة اسم "فلسطين"!
التقطت، أمس، تغريدة على "الفيسبوك" من الصديق المشاكس زكريا محمد. يقول: أنا شخصياً بدي أعيد الساعة إلى الوراء، إلى ما قبل وجود إسرائيل.. حدّ عنده مانع (..) بدنا نعيد الساعة إلى الوراء. هذا هو هدفنا. مش عاجبكم؟! ارحلوا".
لا تعود الساعة إلى الوراء، ولا الجنين إلى رحم أمه، ولا حركة التاريخ طبعاً. مع ذلك، يمكن العودة إلى البدايات الأولى لانطلاقة العمل الفدائي، التي اصطدمت بعنف بهزيمة حزيران.. ثم لم تنتكس بعدها.
السؤال: بأية شجاعة ونبل وحلم عريض حمل الفدائيون البنادق لتحرير فلسطين، بعدما هزمت إسرائيل جيوش الأمة، وهم يحلمون بتحرير حيفا ويافا وعكا؟
السؤال: بأية حكمة بعد قصور حرب أكتوبر 1973 وضعنا مشروعاً بدا واقعياً لتأسيس سلطة وطنية.. ثم بأية حكمة وحلم أعلنا الاستقلال في العام 1988.
حسناً، نحن لسنا أميركا حيث في العام 1969 أعلن القس الأسود مارتن لوثر كنغ "لَدَيّ حلم" وتحقق حلمه مع رئاسة الأسود باراك أوباما للولايات المتحدة العام 2008.
حسناً، نحن لسنا أقوياء عسكرياً كإسرائيل، التي أعلنت بعد حزيران 1967 "ولا شبر يعاد" ووصل المشروع الصهيوني نهر الأردن، كتتمة لحلم بن ـ غوريون بعد قيام إسرائيل بـ "أرض ـ إسرائيل الكاملة"!
بأية مفاجأة لإسرائيل، أكبر حتى من مفاجأة العرب لها في أكتوبر 1973، هبّ الشعب في انتفاضة قال عنها الفرنسي ليونيل جوسبان إنها: قادمة من البعيد وذاهبة إلى البعيد؟
يمكن أن تبدو الانتفاضة الثانية انتكاسة للانتفاضة الأولى، خطوة إلى الوراء من أجل خطوتين إلى الأمام (كما يقول الماركسيون). لكن، ماذا حقق الفلسطينيون من ثورة الفدائيين إلى تأسيس أول سلطة فلسطينية في التاريخ؟
كنا، أمام أنفسنا فقط، شعباً فلسطينياً، وصرنا أمام العالم كله وأمام إسرائيل شعباً فلسطينياً. كانوا يقولون: الصراع العربي ـ الصهيوني، وصاروا يقولون: الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، ويعترف العالم بحق تقرير المصير الفلسطيني، أكثر من اعترافه باقتراحات للسلام تضم فيها إسرائيل "الكتل الاستيطانية" كأمر واقع.
لقد خضنا حروباً سياسية ودموية مع جميع دول الجوار العربي لفلسطين، وها نحن نخوض الحرب على أرض فلسطين ذاتها سياسياً وشعبياً من أجل تجسيد حق تقرير المصير.
السلطة الوطنية الفلسطينية ليست جنيناً يعود إلى الرحم العربي، وليست خطأ في التاريخ والجغرافيا ليتم إلغاؤه، ولا تستطيع إسرائيل أن تحتلنا بأكثر مما تحتلنا، ولا أن تلغينا عاملاً في الصراع كما ألغتنا من النكبة حتى انطلاقة الفدائيين الشجعان، ولا أن تضمّ أرضنا وسكانها دون أن تتغير إلى إسرائيل أخرى لا علاقة لها بإسرائيل اليهودية.
سنذهب إلى نيويورك هذا الشهر أو الشهر والشهور التي تليه. هذا العام أو الأعوام التي تليه، والعجيب أن إسرائيل تحسب كل الحساب لتغيير إطار الصراع السياسي وجوهره إلى صراع بين دولتين: معلنة دولياً هي فلسطين، وواقعية دولياً هي إسرائيل، لكن البعض منا أصابه الحبوط والقنوط والهبوط.
ما بدأ العام 1965 لا رجوع عنه، وما بدأ بعد حزيران 1967 لا رجوع عنه، وما بدأ بعد معركة الكرامة 1968 لا رجوع عنه.. وما بدأ في حصار بيروت، وفي الانتفاضتين، وفي تأسيس السلطة، وفي طلب العضوية لا رجوع عنه.
"لم تذهب منافينا سدى" ولا تذهب إنجازات نضالنا سدى.
استلهموا روح الفدائيين الأوائل!
نقلاً عن جريدة "الأيام"