حسن البطل
.. حتى صديقي، حمساوي الميول، الأستاذ وخطيب الجامع، لم يقطع إن كان حديث منسوب للرسول الأعظم هو من الأحاديث الصحيحة أو المنقولة. هاكم هو: "استفتِ قلبَك.. وإن أفتاك الناس، وأفتوك".
كثرت "الفتاوى" الغريبة، الناشزة، والمضحكة، وعمّا قريب جدّاً، سيستفتي الفلسطينيون في الجمعية العامة إرادتهم، وأيضاً إرادات الدول: صديقة، محايدة، معارضة (لا أقول معادية).
قلت مع المنظّرين الإستراتيجيين: الحرب سياسة بوسائل أخرى، وقلت مع المنظّرين السياسيين: إن "صراع الإرادات" هو الأعلى والأسمى، وفي اليوم الموعود ـ المشهود 29 الجاري ستصوت دول العالم على صدق إرادتنا: صوت واحد لكل دولة.
الصوت الأميركي خارج الحساب، لكن الصوت الأوروبي ليس كذلك، والصوت الأوروبي هو صوت فرنسي أولاً، وألماني وبريطاني ثانياً وثالثاً. فرنسا تبدو حائرة بين تصويت أوروبي مشترك، وتصويت أوروبي لا يخالف التصويت الأميركي السلبي.
على الأغلب، لن تصوت باريس الاشتراكية بزعامة هولاند لصالح فلسطين، وكانت فرنسا اليمينية بزعامة ساركوزي، قد نصحتنا قبل عام بأن نطلب تصويتاً في الجمعية العامة على دولة ـ غير عضو، فطوينا تصويتاً في مجلس الأمن على دولة عضو، تحت طائلة حق النقض الأميركي.
الموقف الفرنسي مؤسف، ويستحق العتاب بل واللوم، فقد تعاملنا مع باريس منذ سنوات كأنها "عاصمة القرار الأوروبي" حول فلسطين، وبنصيحة الرئيس الاشتراكي ميتران نطق عرفات بباريس كلمة "كادوك" واجتمع بقادة اليهودية العالمية. كان ميتران ـ المثقف أكثر من هولاند ـ أول من استقبل عرفات من بين رؤساء الدول الأوروبية الغربية الكبرى. لاموه فقال: ستفعلون مثلي.
منذ حرب 1967، حيث وصف ديغول الكبير إسرائيل "أمة معتدّة ومغرورة" وقاد لأسباب فرنسية الاستقلالية عن التبعية لأميركا، ونحن نبحث عن "صدى" الصوت الديغولي في السياسة الخارجية الفرنسية.
هل يعرف الرئيس هولاند أن العلم الفرنسي، مع عبارة شكراً (Merci) كان العلم الأجنبي الوحيد الذي رفع في مقاطعة عرفات يوم مواراته الثرى؟ شكراً للجنازة الفرنسية العسكرية الكاملة للرئيس الفلسطيني المؤسس.
كنا سنقول (شكراً) أخرى، لو لم تخذلنا باريس، وبالتالي برلين ولندن، ولا ندري هل سيقول هولاند لعباس، هذا الأسبوع، عفواً (Pardon) أو أنا آسف (Je suis regretted) لكننا نلوم فرنسا الخاذلة.
كانت فرنسا تقول: حسب صياغة مشروع القرار سيكون تصويتنا، وقد وزعنا مسوّدة مشروع القرار، وفيه أننا سنعود إلى المفاوضات المباشرة فور التصويت على الطلب الفلسطيني.
على الطلب، ستصوت الغالبية الديمقراطية إيجابياً (إسرائيل تقول: غالبية آلية) وكنا نودّ أن تصوّت دول ديمقراطية كبرى و"نوعية" إيجابياً، حتى لا يبدو التصويت كأن أميركا وأوروبا تريد مفاوضات قبل الدولة غير العضو. ما موقع العربة والحصان يا فرنسا التي تندّد بالاستيطان، ولا تصوت على مشروع قرار ينقض الاستيطان وتماديه.
الفلسطينيون يذهبون للتصويت بعد استفتاء القلب والعقل والإرادة، وبعد أن أعطوا أميركا مهلة سنة، ومهلة انتظار نتيجة الانتخابات، وفرصة عدم استخدام أميركا حق النقض، ثم قالوا لأوباما الثاني "لا" لأن واشنطن سبق وصوّتت وحيدة ضد 14 دولة على مشروع قرار في مجلس الأمن يدين الاستيطان.
بعد اختيار الإرادة السياسية الفلسطينية، هناك توقيت الاختيار في يوم تقسيم أرض ـ فلسطين، الذي تم التصويت عليه في الجمعية العامة بغالبية صوت واحد (نذكر أن ذلك الصوت كان لدولة أميركية لاتينية، وأن المندوب صوّت وهو يبكي!).
سنحرز غالبية الثلثين المطلوبة، وأكثر من الثلثين، ونحن لا نتحدّى أميركا التي تتحدّى غالبية دول العالم بديكتاتورية سلاح "الفيتو"، الذي استخدمته واشنطن ضد فلسطين أكثر من أي مسألة أخرى.
قلنا: إننا لا نعزل أميركا وحتى إسرائيل، بل نعزل سياسة معادية لفلسطين. العقوبات الأميركية ستشجع العقوبات الإسرائيلية ومنها "إلغاء أوسلو" كلياً أو جزئياً، أي إلغاء دور الولايات المتحدة في احتكار العملية السياسية منذ أوسلو وحتى 29 تشرين الثاني 2012.
تراكم التجربة
تعقيباً على عمود "المُتَمِّم"، الثلاثاء 13 تشرين الثاني:
Marouan Salame: رائع وموجع.. تحيّاتي لك.
Jamal Shaheen: نعم، الانتصار هو تراكم التجربة في حُلوها ومُرّها، وأن نبدأ من حيث انتهينا، لا نجعل الذكرى عذراء في كل مرة!.
Jehad Alabraq: أترقّب أطراف نهارك منذ سنوات أيها الكاتب الكهل.
نقلاً عن جريدة "الأيام"