حسن البطل
تشقلبت الدنيا، إسرائيل وحماس شقلبتاها، والقراء شقلبوني (الفيسبوك عوض: الحيطان دفاتر المجانين) لكن واحداً في رام الله، فنان تشكيلي يرسم الوجوه، تشقلب بطريقة فنية لطيفة.
على قارعة شارع ركب، أو جدران محل ساندويشات فلافل سابا اللذيذة، لم يعد عبد الهادي يعيش يرسم الوجوه، رسم على ركيزتي رسم (ستاند الرسم) تخطيطات فنية وخطوطاً نقول في مجملها: أنت فلسطيني فاكتب ما تريد (يعني: فش غلك!).
كتب المارة ما يريدون: "أنا فلسطيني بالصدفة" و"أريد أن أقتل أحداً" وعبارات لطيفة وغير لطيفة بالمرة إزاء سلطة رام الله.
إذا امتلأت الركيزتان سيضع ركيزتين أخريين، ثم يعلق الركائز على جدران كنيسة في الشارع (لمجرد أن جدارها طويل وملائم ليس إلاّ).
أصابني من جولة غزة، وحربها وربما غزوها، رذاذ لا شظايا، فأنا "سلطوي" و"معتدل" و"متخاذل".. إلخ، وهكذا سأل زياد على "جدار" الفيسبوك: أين غزة يا حسن (من عمودك اليوم السبت)؟ وقال زكريا: "من المحتمل أن تأتي لحظة أعلن فيها، أنا "المتطرف" انتصاري على كل "المعتدلين" في رام الله.. من حسن البطل حتى صائب عريقات". يا أخي: انتصر عليّ أو بي لا فرق عندي!
***
سأقول، مثلاً، إن شعوب دول الحروب الأهلية في "الربيع العربي" ربما تغار من الشعب الفلسطيني (الذي كان أول الربيع) لأنه يخوض صراعاً وطنياً.
سأقول، مثلاً، لشعبي "لا تتنابزوا بالألقاب" أي بالشعارات والنعوت والصفات، أي بالمقاومة ضد المفاوضة، وبالحرب ضد السياسة (في الحرب: الجميع يخسرون، المنتصر والمنكسر، كما كتب صديقي خالد درويش" يعني: حلم عبد الناصر، بالوحدة مع سورية، بوضع إسرائيل بين فكي كماشة. تبقى فلسطين بين فكي كماشة عربية ـ إسرائيلية (أميركية) وبين فكي كماشة الانقسام ـ الوحدة. السياسة ـ الكفاح المسلح!.
مع ذلك، ليس على غزة أن "تنابز" رام الله، ولا هذه أن "تنابز" غزة. فك الكماشة الغزية يجب أن يكمل فك الكماشة الضفاوية. لماذا؟ لأن إسرائيل ستقاتل على جبهتين فلسطينيتين: باردة وعقلانية، وساخنة حيث "الكف" يصارع "المخرز".
بصراحة، غير اللبيب و"الفهيم" وحده من لا يربط بين جولة أخرى في غزة، وجولة أخرى في طلب عضوية الجمعية العامة، بعض الإسرائيليين يقولون ذلك، وأولهم صحيفة "إسرائيل هيوم" الناطقة بلسان نتنياهو. الدولة هي الأخطر على إسرائيل من الصواريخ (كانت عبثية ولم تعد كذلك.. ولا السياسة عبثية).
على حيط المجانين الفيسبوكي، سخر البعض من الرئيس سخرية فظة: عشرون شاحنة دواء إلى غزة؟ هل هذا ما تستطيع؟ ثم قال أحدهم: لدي شغل أهم من الاستماع لخطاب الرئيس في أعضاء القيادة الفلسطينية.
كلا.. ثم كلا. قد تنتهي جولة غزة الجديدة بهدنة أخرى، لكن الرئيس قال إننا لن ننثني عن طلب العضوية في الجمعية العامة.
يهددون غزة، وغزة لا ترعوي عن الاستفزاز والتهديد بما استطاعت، ويهددون السلطة بالتصفية السياسية مع رئيسها، والسلطة لن ترعوي، وهذه هي الجولة الحربية الثانية في غزة ونحن في وضع الانقسام. الشعب لا ينقسم، والقضية لا تنقسم.
على السلطة في رام الله، وهذا ما نفعل، أن تشيد بصمود غزة، ومن قال إن عشرين شاحنة دواء وتجهيزات طبية لا قيمة لها؟ وعلى السلطة في غزة أن تكف عن مناكفة سلطة رام الله في مسعاها لطلب العضوية. تشبهوا بأحزاب إسرائيل أيها الفلسطينيون!
لا مفاضلة الآن بين "نموذج" غزة، ونموذج رام الله ولا "تنابز" بل يجب أن يكون هناك تكامل في عمل فكي كماشة، أي وضع "الحديد" الإسرائيلي المادي والسياسي بين جدلية: ساخن وبارد.. وهذا سيفتته!
لن نقارن بين تظاهرات شعبية في الضفة لنصرة غزة، وبين قمع تظاهرات في غزة تأبيناً لعرفات، أو مطالبة بإنهاء الانقسام. السلطة منقسمة والشعب واحد والقضية واحدة.
تقول الأنباء: إن إسرائيل ستعبئ 75 ألف جندي احتياط لغزو غزة، أي بقدر ما زجّت في حرب لبنان 1982 ضد المنظمة، وأكثر من 60 ألفاً في حرب 1967. لماذا؟ لأن الضفة قد تشاغل الجنود الإسرائيليين بتظاهرات الاحتجاج.. وقد تنفجر التظاهرات عنفاً!
إسرائيل تعتبر الضفة وغزة وحدة واحدة، وإن اختلفت أشكال المواجهة، وعلينا أن نتصرف من هذا المنطلق والمنطق، وألا نضع السياسة الفلسطينية في مواجهة الكفاح المسلح الفلسطيني، بل أن نجعلهما وجهان لنضال واحد.
علينا أن نعطي بلاد الحروب الأهلية درساً في الحروب الوطنية، كما أعطيناها درساً في ربيع الإرادة الشعبية، والانتفاضات، والانتخابات الديمقراطية.
نقلاً عن جريدة "الأيام"