حسن البطل
في غير حال ومجال، يقولون: دمعة وابتسامة، وفي حالتنا ومجال الجولة الغازية الراهنة، سنقول: زغرودة ونواح (على شاشات الفضائيات.. وفي الواقع). هناك من قال الكلمة ـ الرصاصة الآن (الصورة ـ الرصاصة)، وهناك من يقول لأصحاب الكلمة المكتوبة ما معناه: القذيفة ـ المقالة.. وقال معين بسيسو: "تعلّموا أن تكتبوا بالحبر أوّلاً" رداً على شعار رفع شعاراً لاتحاد الكتّاب والصحافيين الفلسطينيين: "بالدم نكتب لفلسطين". كتبتُ بالحبر، فقط، أيام وسنوات الحرب الأهلية اللبنانية، وبالحبر فقط ويومياً طيلة حرب الاجتياح 1982.. وهذا لا يعني أن زملائي لم يكتبوا بالحبر والدم معاً، فقد سقط تسعة زملاء بين محرّر مسؤول وإداري في الحرب الأهلية وحرب الاجتياح. أفكّر، جدياً، أن أنشر يومياتي في كتاب (عدا يوم 4 آب الجهنمي) عن حرب الاجتياح في لبنان، كما أفكر بكتاب آخر عن عبوري مرتين يومياً على حاجز سردا إبّان الانتفاضة الثانية. مناسبة هذا الكلام "تغريدة" على "الفيسبوك" تلومني لأن عمودي يومي الجمعة والسبت الماضيين لم يواكب بداية جولة غزة، وكنت أوضحت أنني أكتب يوم الخميس ليومي الجمعة والسبت.. واندلعت الجولة بعد انصرافي من الجريدة. ها أنا أكتب اليوم (أمس) ولا أدري هل تتحقق هدنة في هذه الدولة، وماهية شروطها التي تعكس مجرياتها والتدخلات السياسية المواكبة لها. يومياتي المنشورة في "فلسطين الثورة" اليومية إبّان الاجتياح تشبه "باروميتر" يومي نضالي ـ سياسي، علماً أن أبو جهاد صارح المقاتلين في الأيام الأولى من الاجتياح (وكانوا من جميع الفصائل) أننا نقاتل ونصمد لـ "تحسين شروط الخروج" ولم يؤثر ذلك على معنويات الفدائيين، أو "تتبدّد ريحهم". الزغرودة والنواح تتلازمان في جولة غزة الحالية وسابقاتها، وفي جميع الحروب الفلسطينية ـ الإسرائيلية، فلماذا المفاضلة بدل التكامل بين مقاومة ومفاوضة؛ حرب وسياسة، علماً أن هذه الجولة قد تكرس الانقسام أو تكون بداية النهاية له. صحيح أن غزة تشتعل، لكن الضفة ليست خامدة. حريق الانتفاضة الأولى بدأ بـ"حادث سير" بغزة، وحريق الانتفاضة الثانية بدأ بزيارة استفزاز للحرم القدسي. بعض "الزغاريد" و"التغريدات" تدعو لانتفاضة ثالثة، وهي جارية منذ سنوات على نار هادئة، وقد لا تبقى هادئة، أو "انتفاضة سياسية" (طلب العضوية)، علماً أن للجولة الغزية سببا إسرائيليا صرفا هو الانتخابات العامة، وسببا فلسطينيا هو محاولة إسرائيل إجهاض طلب العضوية إذا اشتعلت الضفة. الانقسام وذيوله ومعطياته يفسر لماذا غزة مشتعلة والضفة مواجهات شعبية ومظاهرات. البنزين يشتعل بسرعة، والغاز أسرع، والكيروسين أبطأ، والفحم الحجري أبطأ، ومن ثم فإن غزة، الآن، سريعة الاشتعال، الذي قد ينطفئ مؤقتاً "بهدنة" أو تسبب عملية اجتياح إسرائيلية اشتعال الفحم الحجري في الضفة. بعد الهدنة تأتي الخلاصات والعبر والبحوث والدراسات، لكن قبل طلب العضوية هناك دراسات، وبعدها ستكون هناك خلاصات قد تغير معطيات الصراع. لاحظت، من بين الشروط الإسرائيلية لهدنة أخرى (وهي سبعة شروط) شرط سادس يقول، بالنص: "الاتفاقيات الموقعة مع السلطة الفلسطينية غير مطبقة نهائياً، وخصوصاً الاقتصادية والسياسية". هذا يعني، بصراحة ووقاحة، أن إسرائيل تريد فك ارتباط غزة والضفة، أي إلغاء أوسلو التي نصت على وحدة المنطقتين الفلسطينيتين، وتمهد لخطوات إسرائيلية انتقامية من السلطة، إذا حاز طلب العضوية على الغالبية فإسرائيل هددت بتقويض السلطة. السلطة ورئيسها تتعرض لانتقادات غير موضوعية وغير منصفة، لأنها تتصرف كسلطة فلسطينية تصر على طلب العضوية، وتمد يدها إلى غزة لإنهاء الانقسام. البعض يطلب من غزة ما لا تستطيع نضالياً، ومن الضفة ما لا تستطيع سياسياً، مع أن الحرب والسياسة هي فن الممكن. صمدنا ببيروت لتحسين شروط الخروج، والآن لتحسين شروط الهدنة.. ومن ثم تحسين شروط التفاوض والحل. *** هناك حمأة غالبة على الصحف الإسرائيلية، لكن ما كتبه جدعون ليفي في "هآرتس"، أمس، يلخص المسألة برمتها: "للفلسطينيين سبل ثلاث هي: الكفاح المسلح، أو الكفاح السياسي، أو الاحتجاج غير العنيف.. وإسرائيل ترفضها جميعاً (..) وما الذي يعرضه الإسرائيلي على الفلسطيني؟ اقعد في هدوء ولا تفعل شيئاً، لكن الشعب الفلسطيني يريد التحرّر من الاحتلال؛ وهذا يحدث". *** قال يورام كوهين في القناة الأولى: "أكثر ما فاجأ إسرائيل هم سكان الضفة، الذين خرجوا منذ اللحظة الأولى في مظاهرات عنيفة ضد الحواجز، وهاجموا الجنود، وكأنه لا يوجد انقسام ولا توجد خلافات". نقلاً عن جيدة "الايام"