حسن البطل
الآن، ترنّ في أُذني عبارة قالها لي ببيروت جاري الماروني، رحمه الله، إيليا مهنا، وهي: "اللّي إجْرُوا خفيفة عَقْلُو خفيف".. وليس بمعنى خفّة خطوات الشاب مقارنة بخطوات الشيخ.
.. وأيضاً، أُهزوجة حربجية بدوية كانت جماهير الوحدة المصرية ـ السورية تهتف بها: ".. وإنْ هَلْهَلْتِ هَلْهَلْنَالِكْ.. صَفِّينَا البَارُودْ قْبَالِكْ"!
لعلّ هذه وتلك تصلحان كفّتي ميزان سياسية وعسكرية في هذه الجولة الحربية من الصراع المديد، وفيها استقطاب حادّ بين وحدة موقف ورأي في الشعبين المتصارعين: الإسرائيلي والفلسطيني.
معظم الساسة والأحزاب والشعب في إسرائيل مع الحرب على غزة! ومعظم الساسة والفصائل والشعب في فلسطين مع الصمود في هذه الحرب.. وكلهم مع إنهاء الانقسام.
لا مفاجأة في ما يبدو وحدة إسرائيلية، قد تتفكّك عراها لاحقاً، إن لم يؤدّ الترويع بعد انهيار الردع إلى هدنة ذات شروط إسرائيلية، أو تجددت الجولة بعد حين.
المفاجأة، في نظر إسرائيل، هي تضامن السلطة والشعب في الضفة مع غزة، وهو تضامن مؤهل لإعادة اللحمة وإنهاء الانقسام.
"بنك الأهداف" العسكري الإسرائيلي تم استنفاده دون ترميم مصداقية الردع. لا جديد في هدف الترويع، أي قتل المدنيين بالسلاح "الدقيق"، وفق أسلوب "قانا" اللبناني، وربما لاحقاً وفق "عقدة الضاحية" أي ضاحية بيروت الجنوبية التي جرى مسحها لإدراك الردع بالترويع، انتقاماً من "عقدة تل أبيب" بعد أن أدركتها صواريخ غزة.
من الردع إلى الترويع أسلوب إسرائيل؛ ومن الترويع إلى الردع أسلوب المقاومة. لا مفاجأة في الوحدة الإسرائيلية، ولا في مصادفة جولات إسرائيل ضد غزة مع جولات الانتخابات العامة في إسرائيل.
المفاجأة هي سياسية فلسطينية، أي أن تصير جولة غزة مثل "لحام الأكسجين" أو "لحام الكهرباء" للانقسام الفلسطيني، أو إشفاء الجسم الفلسطيني من مرض الانقسام منذ ست سنوات.
في القاهرة، تحدث مشعل، وفي رام الله يتحدث الرئيس أبو مازن.. وكلاهما يتوخّيان من هذه الجولة "لحام أكسجين" للانقسام واستعادة الوحدة. لكن مشعل رئيس حركة مقاومة، وأبو مازن رئيس السلطة.
الأول، أجاب سؤالاً: "سأكون في لحظة يفاجأ بها العالم على أرض غزة" التي تستقبل وفوداً عربية وعالمية، ومنها وفد رسمي عربي من الجامعة، سيضمّ وزير خارجية السلطة، عدا تفويض أبو مازن للسيد نبيل شعث بتمثيله.
أبو مازن لا يجيب، الآن، على سؤال قديم مطروح حول زيارته إلى غزة، وكان أبدى استعداداً لذلك حتى قبل الجولة الحالية. في حينه قال محمود الزهار ما معناه: قد لا نضمن سلامته، وهذا قبل أن يقول ليبرمان، لأسباب أخرى، إن إسرائيل لا تضمن سلامته وسلامة السلطة حال اكتسابها عضوية مراقب.
لماذا لا يذهب أبو مازن إلى غزة الآن؟ إذا ذهب قبل الهدنة والصلحة سيؤثر هذا على تصويت بعض الدول في الجمعية العامة، من تلك التي تنحاز لإسرائيل و"حق" دفاعها عن النفس؟ لكن السبب الحقيقي هو أن أبو مازن رئيس منتخب للسلطة.
نعم، "حماس" منتخبة ديمقراطياً، ووفق نتائج الانتخابات عيّن أبو مازن لرئاسة الحكومة الموحّدة السيد إسماعيل هنيّة، بحكم النظام الرئاسي الفلسطيني ونتيجة الانتخابات.
الذي حصل، بعد الانقلاب، أن رئيس السلطة أقال رئيس حكومته، لكن هذا "تمرّد" وكان باستطاعة "حماس" تعيين رئيس حكومة آخر، يستمدّ شرعيته من شرعية الانتخابات، وليس من شرعية رئيس سلطة لم تعد تعترف به.
إذن: أبو مازن لا يزور غزة زائراً من الزوّار الكثر، لكن بعد أن تعترف "حماس" أنه رئيس سلطة منتخب. أبو مازن ثابت الجنان سياسياً منذ انتخابه بل منذ ما قبل الانتخاب، وهو يزن خطواته على صعيدَي سياسة السلطة العامة، وسياستها إزاء استعادة الوحدة الوطنية.
الأهازيج الوحدوية كثيرة، ومنها "إنْ هَلْهَلْتِ هَلْهَلْنَالِكْ .. صَفِّينَا البَارُودْ قْبَالِكْ" وأبو مازن مع هَلْهَلَة الوحدة وليس مع هَلْهَلَة السلاح.. إلاّ إذا طرأ وضع بعد طلب العضوية يحق فيه القول: من حق السلطة أن تدافع عن نفسها سياسياً وعسكرياً.
ردود
تعقيباً على عمود: "تحسين شروط الهدنة.. والتفاوض"، الثلاثاء 20 تشرين الثاني:
Malek Abdullah: كم حرباً شهدتَ يا أستاذ حسن؟ الله يطوّل في عمرك وتشهد شعبنا وقد ارتاح.
Jamal Shaheen: بين المماحكة والعقل تكمن الحقيقة.
Sliman Mansour: مقال ممتاز كما عوّدتنا.. يعطيك العافية أخي حسن.
نقلاً عن جريدة " الأيام"