حسن البطل
أتذكر الفلاح اللبناني - البقاعي "أبو جليل" رحمه الله. قال لي في العام ١٩٨١ إن صواريخ سام 5 أرض - جو السورية لن تترك "ذبابة" اسرائيلية تمر. قلت له وقتها إن وسائل الدفاع والهجوم تتسابق في سلم مفتوح.
كيف دمر الاسرائيليون قاعدة صواريخ سام 5 مع "صفر خسائر"؟ أرسلوا "ذبابة" كانت عبارة عن طائرة بلا طيار. فتح الجنود السوريون رادار بطارية الصواريخ، فقامت طائرات سلاح الجو الاسرائيلي بتدمير البطارية. حيلة صغيرة مثل حيلة المدفع المائي المصري الذي جرف رمال تحصينات اسرائيلية.
الآن، في اسرائيل، يتحدثون عن مدى نجاعة "القبة الحديدية"، وقبل جولة غزة الأخيرة بساعات نصبوا وفعّلوا البطارية الخامسة لحماية منطقة تل أبيب، وهذه القبّة هي تطوير أميركي - اسرائيلي لصواريخ الاعتراض الأميركية "باتريوت" التي نصبت ضد صواريخ الحسين (أو سكود).
جرى تطوير متلاحق، بتمويل أميركي سخي، الى صواريخ حيتس (آرو) وفي الجولة الغزية وعد اوباما بتمويل المزيد من البطاريات هذه، وهي خمس حتى الآن، لتصير ١٣ بطارية تغطي كل سماء اسرائيل.
تتفاوت تقديرات النجاعة، حسب اسرائيل، من اعتراض ٣٠٪ حتى ٨٠٪ من الصواريخ التي أطلقت عليها من غزة. غير معروفة نسبة نجاعة الضربة الجوية لمخابئ صواريخ فجر 5 بعد ضربة اغتيال الجعبري، ونسبة استنفاد "مخزون" الصواريخ الباقي منها.
اسرائيل تزعم أن الفلسطينيين فعلوا ما فعل صدام، أي قللوا وزن الرأس المتفجر في بعض الصواريخ للوصول إلى تل أبيب والقدس، وكانت قد زعمت نجاحاً في تدمير بعض صواريخ حزب الله الطويلة. رئيس الحزب، نصر الله، قال بعد اندلاع القلاقل في سورية إن صواريخه كانت صناعة سورية، وقائد "الجهاد الإسلامي" رمضان شلح قال، بعد اندلاع جولة غزة، إن صواريخ المقاومة إما إيرانية .. أو بتمويل إيراني.
هل كانت جولة غزة الجديدة من أجل الفوز بالانتخابات العامة الاسرائيلية، أم كانت لتعجيل تمويل واشنطن لمزيد من بطاريات "القبة" استعداداً لجولة حرب مع إيران، قال عنها نتنياهو إنها تأجلت حتى الربيع أو الصيف المقبل، وزعم وزير حربيته ايهود باراك أن خسائر الضربة الانتقامية الإيرانية قد لا تتعدى الـ ٥٠٠ قتيل اسرائيلي.
من هنا حتى الربيع أو الصيف قد تنتهي الحرب الأهلية في سورية على نحو أو آخر، وحسب نهايتها قد يجد حزب الله وإيران نفسيهما في موقع الخاسر أو المنتصر. اسرائيل تنتظر نتيجة الحرب الأهلية في سورية، التي قد تنتهي بشلّ الدفاع الجوي السوري، وربما انهيار النظام والدولة في سورية ودخولها "مرحلة عراقية" أو صومالية من الاقتتال والتآكل.
قد تكون دقة نسبية في الضربات الصاروخية الغزية وطول مداها تشير الى أن طائرة الاستطلاع بلا طيار (أيوب) التي أطلقها حزب الله كانت مزودة بقدرة تصوير وبث صور.
المهم هو أن "محور الممانعة" أو "محور الشر" كما تقول اسرائيل يتساند، لكنه لا يذهب إلى الحرب معاً، فسورية لم تتدخل مباشرة في حرب لبنان الثانية الاسرائيلية ضد حزب الله، وحركة حماس لم تساند الحزب بالتدخل، كما أن الحزب لم يساند عسكرياً جولة "رصاص مصبوب" على غزة قبل أربع سنوات، ولا خلال هذه الجولة.
الاسرائيليون والأميركيون أذكياء، وسيدرسون فاعلية القبة الحديدية ويطورون أداءها، والإيرانيون أيضاً أذكياء، فهم في مقدمة دول المنطقة في الحرب الإلكترونية والتصنيع الحربي وسيدرسون ويطورون أداء صواريخهم.
المسألة أن أميركا وفيّة لتعهدها بالحفاظ على تفوق اسرائيل العسكري النوعي، لكن روسيا مترددة في تزويد إيران بدفاع جوي صاروخي يخل بالتوازن أو التفوق الاسرائيلي، أي صواريخ إس ٣٠٠ التي لا مثيل لها في الترسانة الأميركية، وبعد الحرب في سورية جمدّت روسيا عقداً مع سورية لتزويدها بهذا النوع، القادر على شل سلاح الجو الاسرائيلي وهو فوق سماء اسرائيل!
أحد أسباب نشاط واشنطن للوصول الى هدنة هو استمالة الفصائل الفلسطينية الغزية الى "المحور السني" أي إبعادها عن إيران وسورية وحزب الله بالطبع.
لكن هذا الهدف لن يتحقق غالباً، إلا إذا كانت أميركا قادرة وجدية على فرض حل سياسي للمسألة الفلسطينية.
نقلا عن جريدة الايام الاماراتية