حسن البطل
فتشت عن القاضي (المستشار، وكيل النيابة) السنهوري فوجدت أكثر من واحد، لا أعرف أيهما كان أحمد قريع (أبو علاء) يستشهد به أثناء مداولات البرلمان الفلسطيني الأول لوضع مسودة الدستور المؤقت.
إن كان هو عبد الرزاق السنهوري وكيل النيابة العامة المصرية، ورئيس مجلس الدولة حتى العام 1954، والمتوفى 1971، أو كان طارق أمين محمد السنهوري، رئيس القضاء الأعلى، فإن الأول اختلف مع ناصر 1954، والثاني اختلف مع مرسي 2012.
عاد الشارع المصري إلى الغليان، و"ميدان التحرير" إلى تظاهرات الاحتجاج. أنصار الرئيس محمد مرسي عادوا للحديث عن "الفلول"، وأنصار الديمقراطية عادوا للحديث عن "فرعون".
السنهوري الأول، شارك في خلع الملك فاروق ووضعِ مشروعٍ للإصلاح الزراعي، لكنه دعا إلى حل مجلس قيادة الثورة الناصري، وعودة الجيش إلى ثكناته، واصطدم بشدة مع جمال عبد الناصر.
السنهوري الثاني، في صدام حالي مع الرئيس المصري الإخواني الأول (والرابع في مصر الجمهورية) دفاعاً عن استقلالية القضاء، وضد مراسيم 23 نوفمبر التي أصدرها "فرعون" الإخوان!
النيل نهر وحيد في مصر (يتفرع مشكّلاً الدلتا) لكن القضاء المصري العريق والجيش المصري العريق هما نهران، أو عمادان من أعمدة مصر. قضاء مصر مستقل كما ليس أي قضاء عربي، أو حتى في دول العالم الثالث، وجيش مصر جيش وطني.
مراسيم رئاسية "مُرسيّة ـ فرعونيّة" صدرت وقيل إنها انقلاب إخواني على قيادة الجيش المصري، وتلتها مراسيم "فرعونية" تمس جداً القضاء المصري المستقل.
قبل انتخاب مرسي، انحاز جيش مصر لشعب مصر، ولم يكرر غلطة جزائرية فتحت أبواب الحرب الأهلية، وسلّم سلطاته الطارئة للرئيس المنتخب وسط مراسيم غير معتادة في العالم الثالث.
يمكن أن تتطور هبّة 23 نوفمبر إلى أوسع صدام بين الشعب، الذي انحاز إلى القضاء والديمقراطية، وبين حزب الإخوان الحاكم، وخاصة بعد استقالة اثنين من طاقم الرئاسة احتجاجاً، وانسحاب الديمقراطيين والليبراليين من لجنة صياغة الدستور الجديد.
يقارنون بين دستور 1971 الذي قيّد نوعاً ما سلطات الرئيس المخلوع "الفرعون" الثالث، آخر ضباط الجيش الناصري، والدستور الجديد كما يريده "الفرعون" الرابع من حزب الإخوان، الذي أعطى الرئيس المنتخب بغالبية بسيطة جداً، صلاحيات مطلقة.
في ثورة يناير العظيمة، وهي "ربيع مصر" الحقيقي، وعلامة فارقة في "الربيع العربي" الحقيقي، فرض الشعب إرادته، وانحاز الجيش إلى إرادة الشعب. ها هي مصر على أبواب ما يبدو "ثورة تصحيح" شعبية مرة أخرى لثورة يناير، فهل يتراجع الرئيس مرسي، كما فعل تكتيكياً أكثر من مرة، أم لا يتراجع كما قال هذه المرة، ومن ثم؟
.. من ثم يتطور الانقسام في الشارع المصري بين الإخوان وغالبية الشعب، وتتجه المعارضة إلى وحدة موقف أكبر، وتدخل مصر مرحلة فوضى قد تكون أكبر من فوضى "ثورة يناير"، ولا يستطيع الجيش المصري الوطني الوقوف على الحياد بين "شرعية" رئيس منتخب وشرعية اعتراض المعارضة على مغالاة الرئيس في منح نفسه صلاحيات مطلقة، ولو زعم أنها مؤقتة إلى حين وضع دستور جديد يعكس نظرة الإخوان لمستقبل مصر.
الرئيس المصري جمال عبد الناصر "حبيب الشعب"، القادم من الجيش الوطني، اصطدم مع الإخوان، وكذلك وبدرجة أقل مع القضاء المصري. الرئيس المصري الحالي يصطدم مع القضاء المصري أولاً المدعوم من الشعب، وربما مع قيادة الجيش في مرحلة ما، وهو حامي الدستور والشعب.
الشارع المصري لا يريد "الفلول" ولكنه لا يريد استبداد الإخوان. ثورة يوليو 1952 كانت وطنية؛ وثورة يناير كانت ديمقراطية، وربما تتطور ثورة نوفمبر إلى وطنية ـ ديمقراطية.
جيش مصر ليس جيش أتاتورك العلماني، ولا جيش سورية العقائدي ولا أحد يريد انقلاباً عسكرياً مصرياً ليس من تقاليد البلد والجيش.. شرط أن يتراجع مرسي.
رائحة النصر قد تتلاشى!
تعقيباً على عمود "أعط العربي رائحة انتصار"، الجمعة 23 تشرين الثاني:
Fadel Ashour: رائحة النصر قد تتلاشى سريعاً، إن لم يتم استغلال ذلك سياسياً بطريقة ناضجة، عندها قد يصبح نصراً أسوأ من الهزيمة.
Jehad Albarq: يترتب على الفلسطينيين قادة تنظيمات وأحزاباً وشعباً، وفي مقدمتنا السلطة الوطنية الفلسطينية، أن نتروّى قليلاً ولا نعد على أصابعنا دقائق تنفيذ اتفاق التهدئة لوقف عملية "عمود السحاب" وإنما نستفيد من التجارب التي دفّعتنا الدم، ولا ننزل عن الجبل، كما يحصل في كل مرة، لنجمع الغنائم؛ الأمر الذي يفاقم من تكريس الانقسام ابتداءً من السياسيين، ولكن نتعلم ونرصّ على وجعنا.
نقلاً عن جريدة "الأيام"